الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/20

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحث الثاني: الاستدلال على مفهوم القضية الشرطية
        قال صاحب الكفاية: "إن قلت: نعم، ولكنه قضية الإطلاق بمقدمات الحكمة، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي. قلت: أولا: هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا، وإلا لما كان معنى حرفيا، كما يظهر وجهه بالتأمل.
وثانيا: تعينهمنبينأنحائهبالإطلاقالمسوقفيمقام البيان بلا معين، ومقايسته معتعينالوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق؛ فإن النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري، فإنه واجب على تقدير دون تقدير، فيحتاج بيانه إلىمؤونةالتقييدبماإذاوجبالغير، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولاعليه،وهذابخلافاللزوموالترتببنحوالترتبعلىالعلةالمنحصرة؛ ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر، بلا تفاوت أصلا، كما لا يخفى".
بعد الفراغ عن كون دلالة القضية الشرطية على الترتب العلّي بين الشرط والجزاء ليس مستفادا من الوضع، ننتقل للبحث عن استفادته من الإطلاق ومقدمات الحكمة.
استفادة المفهوم من إطلاق أداة الشرط:
        إن مقتضى الإطلاق في أداة الشرط يفيد كون الشرط علة تامة ومنحصرة للجزاء. أما تمامية العلة، فنستفيدها من الإطلاق الواوي؛ إذ لو كان الشرط جزء علة لبيَّن لنا الشارع أجزاءها الأخرى، وبما أنه لم يبيِّن، فمعناه أن الشرط علة تامة.
وأما انحصار العلة، فنستفيده من الإطلاق الأوي؛ إذ لو كان الشرط علة غير منحصرة لبيَّن لنا الشارع العلل التامة الأخرى، وبما أنه لم يبيِّن، فمعناه أن الشرط الذي ثبت بالإطلاق الواوي أنه علة تامة، هو علة منحصرة أيضا. وإذا ثبت أن الشرط علة تامة ومنحصرة للجزاء، ثبت المفهوم للقضية الشرطية.
وهذا نظير إطلاق صيغة الأمر، فهو دال على النفسية؛ لأن الغيرية تحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا، وهو لحاظ أن هذا الوجوب لأجل ذاك، وإثباتا، وهو ذكر الواجب النفسي الذي لأجله وجب الغيري؛ كما في قوله: >إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا<[1]، والإطلاق لا يفي بهذه المؤنة الزائدة. وعليه، فكما أن إطلاق صيغة الأمر يفيد أن الوجوب نفسي، فإطلاق أداة الشرط يفيد أن الشرط علة منحصرة.
هذا تمام الكلام في الإطلاق الأول الذي استدل به على مفهوم القضية الشرطية، وقد أورد عليه صاحب الكفاية إشكالين:
الأول: إن أداة الشرط معنى حرفي، وهو جزئي حقيقي لا يقبل التقييد، فلا يقبل الإطلاق؛ لأنهما يتقابلان تقابل الملكة وعدمها، فإن امتنع أحدهما امتنع الآخر. وبامتناع الإطلاق في أداة الشرط لا يمكن استفادة العلية الانحصارية منها.
وجوابه: إن هذا الإشكال لا يتلاءم مع مبنى صاحب الكفاية من أن المعنى الحرفي كلي من الوضع العام الموضوع له العام، فهو على ذلك قابل للتقييد، وبالتالي قابل للإطلاق. نعم، إنما يرد هذا الإشكال على من ذهب إلى أنه معنى جزئي حقيقي كما ذهبنا إليه سابقا. نعم، مع قطع النظر عن هذا الإشكال، فلا يرد إشكال امتناع الإطلاق لامتناع التقييد؛ لما ذهبنا إليه من أن التقابل بين الإطلاق والتقييد ثبوتا هو تقابل الضدين، فإن امتنع أحدهما تعيَّن الآخر. نعم، قد ذكرنا سابقا أن التقابل بينهما في مقام الإثبات تقابل العدم والملكة، فلا تغفل.
الثاني: إنه لا يمكن تعيين العلة المنحصرة بالإطلاق؛ لأن العلة المنحصرة فرد للعلة المطلقة التي نسبتها إلى أفرادها نسبة واحدة، فالعلة المنحصرة وغير المنحصرة على حد سواء، ونسبة الإطلاق إليهما على حد سواء. وعليه، فدعوى إثبات الانحصار على وجه الخصوص بالإطلاق ومقدمات الحكمة ترجيح بلا مرجح.
أما المقايسة على الوجوب النفسي، ففي غير محله؛ لأن الإطلاق في صيغة الأمر ينطبق على خصوص الوجوب النفسي، ولا يسع للغيري؛ لأنه سنخ آخر يحتاج إثباته إلى مؤنة زائدة، بينما الإطلاق في أداة الشرط ينطبق على العلة المنحصرة وغير المنحصرة على حد سواء.
وجوابه: صحيح أن الإطلاق الواوي الذي يثبت تمامية العلة على حد سواء بالنسبة للعلة المنحصرة وغير المنحصرة، إلا أننا لم نثبت الانحصار بعين الإطلاق الذي أثبتنا فيه التمامية، وإنما أثبتنا التمامية أولا بالإطلاق الواوي؛ لتقدمها على الانحصار؛ إذ الانحصار فرع التمامية، ومن ثم أثبتنا الانحصار بإطلاق آخر، وهو الإطلاق الأوي.
هذا تمام الكلام في الإطلاق الأول المستفاد من أداة الشرط.



[1] مائده/سوره5، آیه6.