الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

ما الميرزا النائيني، فقال: "فالأقوى أنه كذلك؛ أي يقتضى الفساد، سواء كان الجزء من سنخ الأفعال، أو كان من سنخ الأقوال. وسواء اقتصر على ذلك الجزء المنهـي عنه؛ كما إذا اقتصر على قراءة سورة العزيمة بناء على كونها منهيا عنها، أو لم يقتصر؛ كما إذا قرأ سورة أخرى بعد قراءة العزيمة أو قبلها. وسواء كان اعتبار ذلك الجزء في العبادة بشرط لا؛ كما إذا قلنا بحرمة القِران بين السورتين في الصلاة، أو كان لا بشرط؛ كما إذا قلنا بجواز القِران، فإنه على جميع هذه التقادير يكون المنهي عنه مفسدا للعبادة؛ لأن النهي عن جزء يوجب تقييد العبادة بما عدا ذلك الجزء، وتكون بالنسبة إليه بشرط لا لا محالة. ونفس اعتبار العبادة بشرط لا عن شيء يقتضى فساد العبادة الواجدة لذلك الشيء؛ لعدم كون الواجد له من أفراد المأمور به بل المأمور به غيره، فالآتي بالمنهي عنه غير آت بالمأمور به. مضافا إلى أنه يعمه أدلة الزيادة، ويكون قد زاد في صلاته مثلا، فتفسد. ومضافا إلى أنه يعمه أيضا أدلة التكلم إذا كان المنهي عنه من سنخ الأقوال، فإنه وإن لم يخرج بالنهي عن كونه قرآنا مثلا، ولا يدخل في كلام الآدمي، إلا أنه بعد النهي عنه يخرج عن أدلة جواز القرآن والذكر في الصلاة، وبعد خروجه عن ذلك يندرج في إطلاقات مبطلية مطلق التكلم من غير تقييد بكلام الآدمي"[1].
        أقول: أما ما يتعلق ببطلان الصلاة بحال لم يؤت بجزء زائد، فهذا مما لا كلام فيه؛ لضرورة عدم انطباق المأتي به على المأمور به حينئذ.
        وأما ما يتعلق باشتراط الوحدة وعدم القران، فقد ذهب مشهور العلماء إلى عدم جواز القران في الصلاة، إلا أن الإنصاف جوازه، ومما يدل على جوازه صحيحة ابن يقطين، قال: "سألت أبا الحسن  عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة، قال: لا بأس"[2]. أما الروايات الناهية، فمحمولة  على الإرشاد إلى أقلية الثواب. وعليه، فلا تبطل الصلاة من جهة القِران.
وأما ما ذكره من أن النهي عن الجزء يجعل الصلاة مقيدة بما عدا ذلك الجزء، وتكون النسبة إليه بشرط لا، فنقول: هذا الكلام يتم في الجزء الأول، وهو كون النهي عن الجزء يجعل الصلاة مقيدة بما عدا ذلك، فلا تنطبق الصلاة المأمور بها إذا أتى بها مع ذلك الجزء المنهي عنه؛ لأنها ناقصة، ويرجع ذلك إلى الجهة الأولى. وأما كونها بالنسبة إليه تكون بشرط لا، ففي غير محله، وإنما يتم ذلك في النواهي الإرشادية؛ حيث يكون النهي إرشادا إلى مانعية المنهي عنه عن صحة الصلاة؛ كما في صحيحة عبد الجبار عن أبي محمد: "لا تحل الصلاة في حرير محض"[3]، وكما في موثقة عمار عن أبي عبد الله: "لا يلبس الرجل الذهب، ولا يصلي فيه؛ لأنه من لباس أهل الجنة"[4]، ولكن الكلام في المقام عن النواهي التكليفية، وإذا كانت حرمة العزائم تكليفية، فلا دليل على أن الصلاة بالنسبة إليها تكون مأخوذة بشرط لا؛ بحيث يكون إتيانها مبطلا للصلاة، وإنما حرمة العزائم في الفريضة تجعل الصلاة فاقدة لجزئها، فلا تنطبق على المأمور به.
        وأما ما ذكره من أن بطلان الصلاة من جهة الزيادة سواء اشترطنا الوحدة أم لا، ففيه: إن الزيادة لا تتحقق إلا بقصد الجزئية، سواء كان الجزء المأتي به مجانسا لأجزاء الصلاة أم لا، فطالما لم يقصد الجزئية، فلا تشمله موثقة أبي بصير قال: "قال أبو عبد الله: من زاد في صلاته فعليه الإعادة"[5].
        هذا وقد التزم السيد الخوئي  في كون الزيادة المبطلة للصلاة هي خصوص المتقومة بقصد الجزئية، إلا أنه استثنى السجود والركوع. أما السجود؛ فلخبر زرارة عن أحدهما: "لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة"[6]. وأما الركوع؛ فباعتبار أنه ركن كالسجود، فحكمه حكمه.
وفيه: أولا: إنك قد عرفت أن تحقق عنوان الزيادة متقوم بقصد الجزئية، وعليه فالمراد شبه الزيادة لا الزيادة الحقيقية، فالرواية تحمل على ذلك. ولو سلمنا ذلك، فإن إلحاق الركوع بالسجود فيه رائحة القياس؛ إذ لم نحرز وحدة الملاك.
ثانيا: إنا قد وجدنا بعض الأمثلة التي جاز فيها الركوع دون أن يلزم بطلان الصلاة؛ كما لو أراد المصلي الانحناء راكعا لا بقصد الجزئية، بل لتناول ما يقتل فيه ثعبانا مثلا ونحوه، بل هو  التزم بذلك. وعليه، فالزيادة المبطلة للصلاة هي المتقومة بقصد الجزئية فحسب، والله العالم.
        وأما ما ذكره من أنه يعمه أيضا أدلة التكلم، فقد أشكل عليه السيد الخوئي بأن المبطل للصلاة هو خصوص كلام الآدميين، لا مطلق التكلم، وإن كان بغير كلام الآدمي؛ كالذكر والقرآن المنهي عنهما. وعليه، فبما أن قراءة العزائم بعد النهي عن قراءتها في الصلاة لا تخرج عن كونها قرآنا، ولا تدخل في كلام الآدميين، فلا يشملها أدلة النهي عن التكلم في الصلاة. 
والإنصاف: إن ما ذهب إليه الميرزا من شمول أدلة التكلم لها في محله؛ لأن الروايات الواردة في المقام لا يوجد فيها كلام الادمي، بل مطلق الكلام العمدي؛ كما ورد في صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر  - في حديث-: "ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا، وإن تكلمت ناسيا فلا شيء عليك"[7]، وصحيحة ابن مسلم عن عنه  - في حديث -: "وإن تكلم فليعد صلاته"[8]. وأما دعوى الانصراف إلى كلام الآدمي، ففي غير محلها؛ إذ ليس انصرافا حاقيا، كما لا يخفى.
        نعم، ورد في بعض الروايات النبوية ما روي عنه: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التكبير والتسبيح وتلاوة القرآن"[9]، إلا أنها نبوية ضعيفة، لا يصح الاعتماد عليها، وتفصيله في علم الفقه.
والخلاصة: إن النهي عن قراءة العزائم يدخل في مبطلية مطلق التكلم من غير تقييد بكلام الآدمي.




[1] فوائد الأصول ج2، ص465.
[2]  وسائل الشيعة، العاملی، ج6، ص52، من أبواب القراءة في الصلاة، باب8، ح9، ط ال بیت.
[3]  وسائل الشيعة، العاملی، ج4، ص368، من أبواب لباس المصلي، باب 11،، ح2، ط ال بیت.
[4]  وسائل الشيعة، العاملی، ج4، ص413، من أبواب لباس المصلي، باب 30، ح4، ط ال بیت.
[5]  وسائل الشيعة، العاملی، ج8، ص231، من أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب، 19، ح2، ط ال بیت.
[6]  وسائل الشيعة، العاملی، ج6، ص105، من أبواب القراءة في الصلاة، باب 40، ح، ط ال بیت1.
[7]  وسائل الشيعة، العاملی، ج7، ص235،من أبواب قواطع الصلاة باب 1، ح9، ط ال بیت.
[8]  وسائل الشيعة، العاملی، ج1، ص264، من أبواب نواقض الوضوء باب 7، ح1، ط ال بیت.
[9]  سنن البيهقي باب 5 من أبواب الكلام في الصلاة ج2، ص249.