الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/06/02

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا كله فيما يتعلق بحكم الخروج ما لو انحصر التخلص من حرمة التصرف بالدار المغصوبة بالخروج منها، وكان الدخول عن سوء اختيار، أما بالنسبة لحكم العبادة أثناء الخروج والحال هذه، فيقول صاحب الكفاية: "ثم لا يخفى أنه لا إشكالفيصحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع، وأما على القولبالامتناع،فكذلكمعالاضطرارإلى الغصب، لا بسوء الاختيار أو معه، ولكنهاوقعتفيحالالخروج، على القول بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه، أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت، أما مع السعة فالصحةوعدمهامبنيانعلى عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه، فإنالصلاةفيالدارالمغصوبة، وإن كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة، إلا أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادها، بناء على أنه لا يبقي مجال مع إحداهما للأخرى، مع كونها أهم منها، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه، فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة، وإن لم تكن مأمورا بها".
يقول صاحب الكفاية أنه بناء على القول بجواز الاجتماع، فلا إشكال في صحة الصلاة؛ باعتبار أنها لم تتحد مع الغصب في الخارج، فلا مانع من الصحة مطلقا؛ أي في حالتي الاضطرار والاختيار.
وأما على القول بالامتناع، فمع الاضطرار لا بسوء الاختيار، لا إشكال أيضا في صحة صلاته؛ لأن الاضطرار يسقط الحرمة، وبما أنه لم يدخل الدار بسوء اختياره، فلا يكون تصرفه مبغوضا، ومع سقوط الحرمة والمبغوضية لا مانع من صحة الصلاة.
وأما على القول بالامتناع، ولكن مع الاضطرار بسوء الاختيار، فعلى القول بكون الخروج مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه، ووقعت الصلاة حال الخروج، فلا إشكال في صحتها أيضا؛ إذ لا مانع منها؛ لأن الفرض كون الخروج ليس مبغوضا، وكذا تصح الصلاة مع الاضطرار بسوء الاختيار مع غلبة ملاك الأمر على مفسدة النهي في صورة ضيق الوقت.
وأما مع السعة، فبناء على أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، فتصح الصلاة في الدار المغصوبة، وتوضيحه: إن الصلاة في الدار المغصوبة ضد الصلاة في المكان المباح مع كون كل منهما وافيا بالغرض الداعي إلى إيجاب الصلاة. وعليه، فلا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال؛ لسقوط الأمر بإتيان إحداهما.
إذا عرفت ذلك، فإذا قلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فتبطل الصلاة حينئذ في المكان المغصوب؛ لاقتضاء الأمر بالصلاة في المباح للنهي عنها في المكان المغصوب. وأما على القول بعدم الاقتضاء - كما هو الصحيح – فلا تكون الصلاة في المكان المغصوب منهيا عنها حتى تبطل، بل تصح بلا إشكال.
إن قلت: ولكن حتى مع عدم القول بالاقتضاء لا يمكن أن يكون أمر بالصلاة في الدار المغصوبة مع وجود أمر بالصلاة خارجها، فهو من التكليف المحال، قلت: لا حاجة لتصحيح الصلاة بقصد امتثال الأمر، بل يكفي تصحيح العبادة حينئذ بقصد ملاكها الموجود في هذا الفرد من أفراد الطبيعة، وإن لم يكن مأمورا به بعينه.
        هذا تمام ما قاله صاحب الكفاية مع توضيح منا، والإنصاف أنه بناء على فرض كون الدخول بسوء الاختيار كما هو المفروض، وأن النهي الشرعي عن الخروج ساقط بالاضطرار، ولكن يجري عليه حكم المعصية، فعلى القول بالجواز، فبما أن المجمع متعدد، فلا إشكال في صحة الصلاة حينئذ؛ حيث يكون الغصب شيئا والصلاة شيئا آخر، إلا على القول بسريان حكم أحد المتلازمين إلى الآخر؛ إذ بناء عليه يسري النهي من الغصب إلى الصلاة، فتصبح منهية عنها ومبغوضة للمولى، فلا تصلح حينئذ للتقرب بها إليه، ولكن عرفت أن الصحيح عدم السراية.
وأما الإجماع المدعى على بطلان الصلاة في المكان المغصوب من قِبل جماعة من الأعلام، فهو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو القول بالامتناع مع تقديم جانب النهي، إلا أن يدعى الإطلاق في معقِد الإجماع، فتأمل في كلام الأعلام.
        ثم بعد ثبوت صحة الصلاة، فهل يحق له الإتيان بها على نحو صلاة المختار تامة، أم يقتصر فيها على الإيماء؟ الصحيح أنه يقتصر فيها على الإيماء، وتفصيله:
        أما القراءة، فلا إشكال فيها؛ إذ هي من الكيف المسموع، وكذا بقية الأذكار، إلا على القول بلزوم التصرف بالفضاء المغصوب، فيقتصر حينئذ على الإشارة القلبية.
وأما الركوع، فبعد إنكار صدق التصرف عليه؛ إذ هو من مقولة الوضع، فيجوز أن يركع خلال خروجه ما لم يلزم منه تصرفا زائدا زمانا؛ بأن كان زمن مشيه راكعا يعادل زمن مشيه منتصبا. وإنما خصصنا التصرف الزائد بالزمان دون الحركة؛ لما تبين أنه لا تصرف زائد بالنسبة للحركة بعد ثبوت أن حيز الجسم واحد في كل أوضاعه، فلا يلزم من الركوع تصرف زائد من هذه الجهة.
وأما السجود، فبناء على شرط الاعتماد فيه، فلا يجوز السجود لما عرفت من اتحاده حينئذ مع الغصب، فلا يمكن أن يكون مصداقا للواجب، ولا يعقل التقرب فيه، وعليه، فيتعين عليه الإيماء له.
هذا تمام الكلام على القول بالجواز، أما على القول بالامتناع، فلا يخلو: إما أن نقدم جانب الأمر، أو نقدم جانب النهي، أو يتساويان فلا نقدم أي منهما، وهذه الصورة الأخيرة سيذكرها المصنف في التنبيه الثاني.
أما إن قدمنا جانب الأمر، فلا إشكال في صحة الصلاة؛ إذ لا نهي في المقام لتمنع مبغوضيته عن التقرب بهذه الصلاة.
وأما إن قدمنا جانب النهي، فإن لم يكن لدى المكلف متسع من الوقت للصلاة خارج الدار المغصوبة ولو إيماء، فمقتضى القاعدة سقوط الصلاة؛ إذ الفرض أنها منهية عنها ومبغوضة للمولى، فلا يمكن أن تكون مصداقا للمحبوب الذي يتقرب به إليه، ولكن بما أن الصلاة لا تسقط بحال، ولا تجتمع مع المبغوضية، فيسقط النهي وترتفع المبغوضية عن هذا المقدار من الخروج، وهو ظرف الصلاة إيماء حال الخروج، فيمكن التقرب بالصلاة حينئذ، وتقع صحيحة بلا منازع.
وأما إن كان لدى المكلف متسع من الوقت للصلاة خارج الدار المغصوبة، فإن كان هذا الوقت يسع لصلاة المختار التامة، فلا إشكال في بطلان صلاته في الدار المغصوبة سواء كانت مع الركوع والسجود أم إيماء لهما؛ لأنه مأمور بصلاة المختار خارج الدار المغصوبة في هذا الفرض، فإن صلاها إيماء داخلها لا يكون قد امتثل الواجب، بل يكون ما أتى به غير مأمور به، وما هو مأمور به لم يأت به.
وأما إن لم يسع الوقت إلا للصلاة إيماء خارج الدار المغصوبة، فيصلي خارجها؛ لأن الصلاة داخلها منهية عنها ومبغوضة للمولى؛ لفرض تغليب جانب النهي بلا منازع، ولا يتقرب إلى المولى بما يبغضه. ولكن على مبنانا من أن الصلاة إيماء داخل الدار المغصوبة لا يصدق عليها التصرف في مال الغير، فلا فرق حينئذ بين الصلاة في الدار والصلاة خارجها، والله العالم.