الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/08/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ الأوامر \ مقدمة الواجب \ المبحث الثاني \ أقسام المقدمة
 كان الكلام في مسألة اجتماع المثلين وكلام صاحب الكفاية
 وأجاب السيد بأن مناط تحقق الاندكاك الاتحاد الزماني بين المندكين لا الاتحاد الرتبي؛ ذلك أن الرتب العقلية لا أثر لها في الأحكام الشرعية، ولا إشكال في الاتحاد الزماني بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري المترشح عنه.
 وفيه: إن ما مثَّل به السيد بالنسبة لصلاة الظهرين ليس في محله؛ لأنه ليس من باب اجتماع المثلين أصلا حتى نتطرق إلى مسألة الاندكاك؛ فإن مناط اجتماع المثلين أن يكون متعلق الحكمين واحدا؛ كما بالنسبة إلى مثال النذر المتقدم؛ فإن الاستحباب تعلق بصلاة الليل بما هي، وكذلك الوجوب؛ إذ لا يمكن أن يتعلق الوجوب بصلاة الليل بما هي مستحبة؛ لأنه إن تعلق بها كذلك، فإنها تصبح بعد التعلق واجبة، فيمتنع وفاء النذر. هنا بما أن متعلق الحكمين واحد، وهو صلاة الليل بما هي، فيندك أحدهما بالآخر مكتسبا كل منهما خصوصية من الآخر؛ حيث يكتسب الاستحباب الإلزام من وجوب الوفاء بالنذر، ويكتسب وجوب الوفاء، الذي هو توصلي بنفسه، العبادية من الاستحباب.
 أما في صلاة الظهرين، فالمتعلق مختلف؛ إذ تعلق الوجوب النفسي بصلاة الظهر بما هي، بينما تعلق الوجوب الغيري بصلاة الظهر بما هي متعبد بها؛ فإن وجود صلاة العصر متوقف على إتيان صلاة الظهر قربة إلى الله تعالى. وعليه، فمع اختلاف المتعلق لا يكون الأمر من قبيل اجتماع المثلين، فلا اندكاك.
 نعم، ما ذكره السيد من كفاية الاتحاد الزماني بين المندكين وإن اختلفا رتبة في محله؛ كمسألة النذر، فإن الأمر بالوفاء متأخر رتبة عن الأمر باستحباب المتعلق بنفسه؛ لأن الأمر بالوفاء متوقف على رجحان متعلقه.
 الخلاصة: إن المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص خارجة عن محل النـزاع. والذي يهون الخطب في المقام، أنه لا يوجد مقتض أصلا للوجوب الغيري بالنسبة للأجزاء.
 المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم والأخص:
 قال صاحب الكفاية: ) هذا كله في المقدمة الداخلية، وأما المقدمة الخارجية، فهي ما كان خارجا عن المأمور به، وكان له دخل في تحققه، لا يكاد يتحقق بدونه، وقد ذكر لها أقسام، وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والإبرام، إلا أنه غير مهم في المقام )
 أما المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم والتي يعبر عنها أيضا بالمقدمة الداخلية بالمعنى الأعم؛ مثل الشرط، فهي داخلة في محل النـزاع لاختلافها خارجا عن أجزاء المأمور به.
 أما المقدمة الخارجية بالمعنى الأخص، فإن كانت معدا فهي داخلة حتما في محل النـزاع؛ لأنها مغايرة لذي المقدمة؛ كالدرجة الأولى بالنسبة للكون على السطح. وإن كانت على تامة، فقد يقال أنها ليست على إطلاقها داخلة في محل النـزاع، وتوضيحه: قلنا سابقا أن كل ما يمكن أن تتعلق به إرادة الفاعل تتعلق به إرادة الآمر، وكل ما لا يمكن أن تتعلق به إرادة الفاعل لا تتعلق به إرادة الآمر، وإرادة الإنسان تتعلق بالعلة ولا تتعلق بالمعلول، والمقدمة علة لذيها، فيمكن تعلق إرادة الآمر بها دون ذيها.
 وعليه، تكون المقدمة مأمورا بها بالأمر النفسي فقط؛ لأن الأمر الغيري بها يترشح عن الأمر النفسي بذي المقدمة، والفرض أنها معلول، فلا يمكن أن يتعلق بها الأمر.
 وفيه: صحيح أن الإنسان لا يقدر على المعلول مباشرة، إلا أنه يقدر عليه بواسطة علته، وهذا كاف لإمكانية تعلق إرادة الآمر بها.
 نعم، يبقى المناط اتصاف الشيء بالوجوب الغيري أن يكون وجود خارجا مغايرا لوجود متعلق الوجوب النفسي، أما لو كانا في الخارج واحدا، فلا يدخل في محل النـزاع وإن كان ذا عناوين متعددة؛ كما بالنسبة إلى الإلقاء والأحراق، أو الغسل والتطهير، فإنهما في الخارج شيء واحد، ولذا صح حمل أحدهما على الآخر، وإن كانا عنوانين متغايرين. ومن هنا لا يصح التعبير عن الإحراق والتطهير بأنهما مسبَّبان توليديان عن الإلقاء والغسل، نعم هما عنوانان مولدان عنهما.
 الخلاصة: المقدمة الخارجية بالمعنى الأخص إذا كانت علة، فإن كان وجودها خارجا مغايرا لوجود ذيها، فهي داخلة في محل النـزاع، وإلا فلا.
 يبقى أن نشير إلى معنى كل من السبب والشرط والمانع. أما السبب: (فهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم)؛ كالصيغة المركبة من الإيجاب والقبول في البيع مثلا، فإنها سبب في تحقق الملكية؛ إذ يلزم من وجود الصيغة وجود الملكية، ويلزم من عدمها عدم الملكية.
 وأما الشرط: (فهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود)؛ كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فإنها شرط في صحتها؛ إذ يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة.
 وأما المانع: (فهو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه العدم)؛ كالرطوبة بالنسبة إلى الإحراق، فإنها مانع من حصوله؛ إذ يلزم من وجود الرطوبة عدم الإحراق، ولا يلزم من عدم الرطوبة عدم شيء.