الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ الأوامر \ مقدمة الواجب \ المبحث الثاني \ أقسام المقدمة
 المبحث الثاني: أقسام المقدمة
 قال صاحب الكفاية: ( الأمر الثاني: إنه ربما تقسّم المقدمة إلى تقسيمات: منها: تقسيمها إلى داخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها، والخارجية وهي الأمور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه )
 تنقسم المقدمة إلى عدة أقسام منها: المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص، ومقدمة داخلية أو خارجية بالمعنى الأعم، ومقدمة خارجية بالمعنى الأخص.
 أما الداخلية بالمعنى الأخص، فهي عبارة عن كون الشيء داخلا قيدا وتقيدا في حقيقة المركب، وهي الأجزاء؛ كالقراءة والركوع والسجود بالنسبة للصلاة.
 وأما الداخلية أو الخارجية بالمعنى الأعم، فهي عبارة عن كون الشيء خارجا قيدا عن حقيقة المركب، وداخلا تقيدا؛ كالشرائط وعدم المانع اللذين ليسا جزءا من ماهية المركب، ولكنها شرطا في صحته؛ كالطهارة الحدثية والخبيثة وعدم الضحك بالنسبة للصلاة.
 وأما الخارجية بالمعنى الأخص، فهي عبارة عن كون الشيء خارجا قيدا وتقيدا، إلا أن وجود المركب خارجا متوقف عليه؛ مثل قطع المسافة بالنسبة للحج؛ فإن قطعها ليس جزءا من ماهيته، ولا تتوقف صحته عليه، إلا أن تحقق الحج خارجا لا يكون بدون قطع المسافة. وكذا مثل المكان بالنسبة للصلاة؛ حيث لا يمكن الإتيان بها بدون شغل حيز مكاني.
 ثم أن هذه المقدمة الخارجية بالمعنى الأخص تارة تكون علة معدة لذي المقدمة؛ بمعنى أن وجودها يعطي الاستعداد لوجود المعلول؛ كالدرجة الأولى في السلم، فإنها علة معدة لبلوغ السطح، وأخرى تكون علة تامة لذي المقدمة؛ بحيث لا يوجد بدونها، وهذه بدورها قد تكون بسيطة؛ كالنفس فإنها علة بسيطة لما يصدر عنها، وقد تكون مركبة من المقتضي والشرط وعدم المانع؛ كالنار ومقاربتها للجسم القابل للاحتراق وعدم الرطوبة. ثم إن هذه المركبة قد توجد أجزاؤها دفعة واحدة أو تدريجا.
 المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص:
 بعد ذكر بعض تقسيمات المقدمة، نبحث في المقدمة الأولى؛ أي المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص، وهي الأجزاء، عن ثلاثة أمور: الأول: تعقل مقدمية الأجزاء، والثاني: وجود مقتض لاتصافها بالوجوب الغيري بعد فرض تعقل مقدميتها، وقد رتبه صاحب الكفاية ثالثا، والثالث: وجود مانع من هذا الاتصاف بعد فرض تعقل مقدميتها ووجود مقتض لاتصافها بالوجوب الغيري.
 الأمر الأول:
 قال صاحب الكفاية: ( وربما يشكل في كون الأجزاء مقدمة له وسابقة عليه، بأن المركب ليس إلا نفس الأجزاء بأسرها. والحل: إن المقدمة هي نفس الأجزاء بالأسر، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، فيحصل المغايرة بينهما، وبذلك ظهر أنه لابد في اعتبار الجزئية أخذ الشيء بلا شرط، كما لا بد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع ).
 حاصل هذا الكلام هو ما أشكل به صاحب هداية المسترشدين من أنه لما كان المركب عين أجزائه خارجا، فلا تعقل مقدميتها له؛ لأن لازمه أن يكون الشيء مقدمة لنفسه وعلة لها، وهو محال.
 وقد أجيب على هذا الإشكال بعدة أجوبة، إلا أن جميعها تصب في جواب صاحب الكفاية، وحاصله: صحيح أن المركب هو عين أجزائه خارجا؛ فالصلاة هي عين التكبير والقراءة والركوع والسجود وباقي أجزائها، إلا أنه يبقى الاختلاف بينهما من ناحية اللحاظ والاعتبار؛ إذ الأجزاء ملحوظة لا بشرط؛ أي لا بشرط الاجتماع، والمركب ملحوظ بشرط شيء؛ أي بشرط الاجتماع، فتكون المقدمة عبارة عن الأجزاء لا بشرط، وذو المقدمة عبارة عن الأجزاء بشرط شيء، وهذا التغاير اللحاظي الاعتباري بينهما كاف لدفع الإشكال وتعقل المقدمية.
 وفيه: إنا لا ننكر هذا التغاير الاعتباري بين المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص وذي المقدمة، إلا أن التغاير الاعتباري لا يغير واقع كونهما واحدا في الخارج؛ إذ لا فرق بين قراءة الفاتحة لا بشرط أو بشرط شيء. وعليه، فالإشكال باق.
 نقول: إن التغاير بين المقدمة وذيها ليس اعتباريا محضا، بل هناك فارق واقعي من جهة الامتثال؛ لأننا حينما نلحظ الأجزاء بشرط شيء، نلحظها مع عنوان الوحدة المعتبر في الامتثال، والذي تقوم المصلحة به؛ فإن المصلحة مترتبة على عنوان الأجزاء مجتمعة، فلا بد في صحة الامتثال من أن نأتي بالقراءة مثلا بعنوان الصلاة؛ أي بعنوان الوحدة، بينما لا يشترط ذلك بالنسبة للقراءة لا بشرط.
 هذا الكلام وإن كان سليما، إلا أنه يبقي في النفس شيئا؛ لأنه لا ينفع في إثبات المقدمية؛ ذلك مرجعه إلى كون الوحدة الاعتبارية جهة تقييدية؛ بمعنى أن الأمر لما تعلق بعنوان الصلاة مثلا، فلا تصح إلا إذا قصده المكلف، وهذا ما لا ربط له في المقدمية، فتأمل.