الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 الملازمة بين الإجزاء والتصويب:
 قال صاحب الكفاية: ( الثاني: لا يذهب عليك أن الإجزاء في بعض موارد الأصول والطرق والأمارات، على ما عرفت تفصيله، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل، ليس إلا الحكم الإنشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الأحكام للموضوعات ).
 ذكرنا سابقا أن القول بالسببية يلزم منه التصويب، لا سيما بالنسبة إلى القسم الأول والثاني، واختلف في القسم الثالث؛ حيث ذهب البعض، ومنهم القائلون بها على هذا النحو، إلى عدم لزوم التصويب، بينما ذهب آخرون إلى لزومه.
 أما الإجزاء في الطرق والأمارات، فالمعروف بين الأعلام ومنهم صاحب الكفاية، كما يذكر في هذا التذنيب الثاني، نفي الملازمة بينه وبين التصويب المجمع على بطلانه؛ لأن مفاد الإجزاء سقوط الأمر الواقعي؛ بحيث لا يكون المكلف مطالبا به، مع بقائه وعدم تبدله وانتفائه، وإنما المنتفي في غير موارد إصابة الواقع هو الحكم الفعلي البعثي، ولذا قلنا باشتراكه بين العالم والجاهل، وليس معنى الإجزاء حصر الحكم الواقعي بمؤدى الأمارة ليلزم منه التصويب.
 ومما يدل على نفي الملازمة بين الإجزاء والتصويب، هو أن مورد الأمارة الشك في الحكم الواقعي؛ إذ لا يمكن أن يتعبدنا الشارع بالظن بالحكم الواقعي مع إمكان العلم به، وموضوع الأصل العملي الشك في الحكم الواقعي. وعليه، في كليهما شك في الحكم الواقعي؛ أي هناك حكم واقعي محتمل غير مؤدى الأمارة والأصل، لا أن الحكم الواقعي محصور بمؤديهما، كما هو التصويب.
 وفيه: صحيح أن القول بالإجزاء لا يلزمه التصويب؛ لأن مفاد الإجزاء سقوط الحكم الواقعي؛ بحيث لا يكون المكلف مطالبا به، مع بقائه وعدم تبدله، إلا أن الكلام عن انحفاظ الحكم الواقعي بمرتبته لا يناسب الرد على نفي الملازمة، وإنما يناسب كيفية الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.
 ثم إن ما ذكره صاحب الكفاية من أن المنتفي في غير موارد إصابة الواقع هو الحكم الفعلي البعثي، في غير محله؛ فالصحيح أن المنتفي هو خصوص الحكم البعثي، والمراد منه الحكم المنجز على ما يظهر، ولا ينتفي الحكم الفعلي؛ لأن فعلية الحكم متوقفة على فعلية موضوعه، بينما يتوقف تنجزه على وصوله إلى المكلف.
 لزوم حجية الحكم الظاهري لدى البعض حجيته لدى غيرهم:
 بقي أن نشير إلى مسألة لم يتطرق إليها صاحب الكفاية، وحاصلها: هل قيام الحكم الظاهري على شيء لدى أحد، يلزمه نفاذه وحجيته لدى غيره؟ مثلا: من قامت لديه أمارة على كفاية المرة الواحدة في تطهير الثوب من البول، فهل يمكن لغيره ممن قامت لديه أمارة على عدم كفاية المرة الواحدة في التطهير من البول أن يبني على طهارة الثوب؟
 وكذا من قامت لديه الأمارة على عدم وجوب السورة، فهل يمكن لغيره ممن قامت لديه الأمارة على وجوبها أن يأتم به؟
 وكذا من قامت لديه الأمارة على عدم اشتراط العربية في صيغة عقد النكاح، فهل يجب على غيره ممن قامت لديه الأمارة على اشتراطها أن يرتب آثار العقد الصحيح من حرمة الزواج من هذه المرأة، وانتظار عدتها بحال طلقها زوجها؟
 الجواب:
 أما بالنسبة للزواج والطلاق، فإن السيرة العملية الممتدة من زمن النبي ص إلى يومنا هذا قائمة على ترتيب آثار الزواج والطلاق الصحيحين؛ إذ "لكل قوم نكاح"؛ كما ورد في خبر أبي بصير قال: ( سمعت أبا عبد الله ع يقول: نهى رسول الله ص أن يقال للإماء: يا بنت كذا وكذا، وقال: لكل قوم نكاح ) [1] . ومن هنا لو أقرت الكنيسة ما يحدث في الغرب من المساكنة بين الرجل والمرأة، واعتبرته زواجا، لتعاملنا معه معاملة الزواج الصحيح.
 أما في غير الزواج والطلاق، فإن مقتضى القاعدة أن الحكم الظاهري الثابت لدى أحد لا يكون لمجرد ذلك نافذا وحجة لدى غيره.
 نعم، ذهب البعض إلى أن الطهارة والنجاسة من قبيل الزواج والطلاق؛ باعتبار أن المعصوم ع لم يأمر من يزاول العامة أن يطهر ثوبه ويعيد صلاته مثلا، وهذا ما يدل على أن الحكم الظاهري لديهم نافذ لدينا.
 وفيه: إنه يحتمل أن يكون ذلك من باب أن المتنجس لا ينجس، أو من باب أن غيبة المسلم مع شرائطها مطهرة، وعليه لا يمكن عطف مسألة الطهارة والنجاسة على مسألة الزواج والطلاق.
 ويبقى أن نشير إلى مسألة، وهي أن الفقيه إذا أفتى بشيء لا تكون فتواه نافذة في حق غيره، إلا إذا حكم، فلا تجوز مخالفته حينئذ إلا في حال العلم الوجداني بالمخالفة؛ ذلك أن الغاية من القضاء فصل الحكومة، فلو لم يكن حكمه نافذا لانتفت.
 


[1] () تهذيب الأحكام باب من الزيادات في فقه النكاح ج7، ص472، ح99.