الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 الدليل الثاني:
 ادعى الميرزا النائيني إجماع الأعلام على الإجزاء، وبما أن الإجماع دليل لبي لا إطلاق فيه، فاقتصر على الإجزاء في خصوص العبادات؛ باعتبار أنها القدر المتيقن من الإجماع، ولكنه لم يوضح كيف أنها كذلك.
 أما المعاملات، فقد فصل فيها؛ حيث جعلها على قسمين؛ إذ تارة ينكشف الخلاف قبل ذهاب الموضوع، وأخرى بعده. والقسم الأول لا يشمله الإجماع بلا تردد؛ كما لو عقد على امرأة بغير العربية، ثم انكشف له دخالة العربية في صحة الزواج وكانت المرأة ما تزال عنده، فهنا لا بد من إجراء عقد جديد. أما القسم الثاني، فقد وقع فيه التردد، وبالتالي لا نحرز شمول له؛ كما لو اشترى عينا بالمعاطاة، ثم بعد تلفها انكشف له شرطية التلفظ لصحة البيع، فهنا يكون المتشري ضامنا للعين.
 الإنصاف:
 أولا: إن الإجماع المدعى إجماع منقول بخبر الواحد، فهو غير حجة.
 ثانيا: إنه لم يثبت أن الأعلام أجمعوا على الإجزاء، وكيف يتحقق الإجماع مع أن هذه المسألة لم تكن معنونة لدى المتقدمين وكثير من المتأخرين، بل ذهب كثير من الأعلام إلى عدم الإجزاء.
 ثالثا: لا وجه لجعل العبادات قدرا متيقنا ليشمله الإجماع، كما أن انكشاف الخلاف قبل ذهاب الموضوع أو بعده لا يكون فارقا بالنسبة إلى الإجزاء وعدمه.
 وعليه، هذا الدليل لم يكتب له التوفيق، وبالتالي نبقى على ما ذهبنا إليه من عدم الإجزاء في العبادات والمعاملات، سواء في داخل الوقت أم خارجه، عملنا بالأمارة أم بالأصل، وسواء انكشف الخلاف بالعلم الوجداني أم التعبدي. نعم، نقول بالإجزاء في موردين: أحدهما ما لو لزم من عدم الإجزاء الحرج الشخصي، وقد تقدم، وثانيهما في خصوص باب الصلاة بدليل خاص، وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر ع: ( لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود ) [1] ، فيما إذا كان الفاقد جزءا أو شرطا غير ركن؛ كما إذا صلى فترة من الزمن بدون سورة معتقدا عدم وجوبها اجتهادا أو تقليدا، ثم اعتقد وجوبها كذلك، لم تجب عليه الإعادة في الوقت، ولا
 القضاء خارجه، وهكذا غيرها مما كان الفاقد غير ركن.
 الشك في اعتبار الأمارة من حيث السببية والطريقية:
 قال صاحب الكفاية: ( هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية، أو بنحو الموضوعية والسببية، وأما إذا شك فيها ولم يحرز أنها على أي الوجهين، فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت، واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا، إلا على القول بالأصل المثبت، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي )
 ما تقدم كان حول الإجزاء وعدمه بناء على إحرازنا كون حجية الأمارة جعلت على نحو الكشف والطريقية، أو على نحو الموضوعية والسببية، أما لو شككنا في أنها مجعولة على نحو أي منهما، فهل المتعين هو الإجزاء أم لا؟
 واعلم أن هذه المسألة فرضية؛ لأنه ثبت عندنا أن حجية الأمارات إنما هي من باب الطريقية والكاشفية؛ لأن أقوى دليل على حجية الأمارات، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، هو السيرة العقلائية الممضاة من الشارع المقدس، ومن المعلوم أن العقلاء إنما يعملون بالأمارة لكونها كاشفة وحاكية عن الواقع، لا لكونها سببا في حصول المصلحة في المؤدى كي يكون الواقع على طبقها. وأما الآيات والروايات الدالة على اعتبار الأمارة، فهي في الواقع إمضاء لما هو حجة عند العقلاء، ومن هنا تعرف أن الشارع المقدس لم يخترع لنفسه طريقا خاصا به في المقام؛ بأن اعتبر أمارة لم تكن موجودة لدى العقلاء. وعليه، فالحجية التأسيسية غير موجودة في الشريعة.
 ثم إنه لو سلمنا حصول الشك في كيفية جعل الأمارة، فنقول: إن صاحب الكفاية فصّل بين انكشاف الخلاف داخل الوقت أو خارجه؛ فذهب إلى عدم الإجزاء في الوقت وبالتالي وجوب الإعادة؛ لأنه بعد إتيان المكلف بمؤدى الأمارة وانكشاف أنها على خلاف الواقع، يشك في أن المأتي به مسقط للتكليف أم لا؟ والفرض أن ذمته كانت مشغولة يقينا بالتكليف، فلا تفرغ إلا مع اليقين بسقوطه. وعليه، فإن مقتضى أصالة الاشتغال بقاء الذمة مشغولة، وبالتالي وجوب الإعادة.
 ولا يخفى أن منشأ الشك في السقوط وعدمه هو كون الأمارة طريقا إلى الواقع أو سببا، فلو كانت على النحو الأول وجبت الإعادة، بخلاف ما لو كانت على النحو الثاني.
 ثم إنه قد يفهم من عبارة صاحب الكفاية: "فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت"، هو استصحاب عدم الإتيان بالمسقط، وليس قاعدة الاشتغال، إلا أن الأقرب أنه يريد أصالة الاشتغال؛ لقوله بعد ذلك: "وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي". كما أن استصحاب عدم الإتيان بما يسقط التكليف، لازمه بقاء التكليف، وهو لازم عقلي، فيكون من باب الأصل المثبت. ثم إنه لا حاجة للاستصحاب لإثبات وجوب الإعادة؛ إذ يكفي الشك في فراغ الذمة لإجراء أصالة الاشتغال وإثبات وجوب الإعادة.
 ثم ذكر صاحب الكفاية أن استصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت غير مجد، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا. وتوضيح الإشكال: إن الإتيان بالعمل موافقا للأمارة وقبل انكشاف خطئها لا تكليف بالواقع قطعا، ويشك في توجه التكليف بعد انكشاف الخطأ، والاستصحاب يقتضي عدم توجه التكليف؛ أي لا إعادة عليه.
 وأجاب عن ذلك صاحب الكفاية بأن الاستصحاب لا يجدي في إثبات كون المأتي به مسقطا؛ لأن ذلك من اللوازم غير الشرعية؛ إذ يلزم عقلا من استصحاب عدم فعلية التكليف كون المأتي به مسقطا. ومن المعلوم أن اللوازم غير الشرعية لا اعتبار بها هنا.


[1] () وسائل الشيعة باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ج5، ص470، ح14.