الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 الأصل العملي:
 قال صاحب الكفاية: ( وبالجملة: فالمتبع هو الإطلاق لو كان، وإلا فالأصل، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الإعادة؛ لكونه شكا في أصل التكليف، وكذا عن إيجاب القضاء بطريق أولى، نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع، ولو لم يكن هو فريضة، كان القضاء واجبا عليه، لتحقق سببه، وإن أتى بالفرض لكنه مجرد الفرض )
 ذكرنا أن مقتضى القاعدة عدم إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به بالأمر الواقعي بحال ارتفع العذر في الوقت؛ لأن موضوع الحكم الاضطراري هو العذر المستوعب لتمام الوقت؛ فالواجب تعلق بالطبيعة على نحو صرف الوجود بين المبدأ والمنتهى، فإذا اضطر المكلف لبعض الأفراد فلا يقال أنه مضطر لتمامه.
 هذا ما توصلنا إليه مع احتمال وجود أصل لفظي دال على الإجزاء أو عدمه، أما إذا لم يكن ثمة أصل لفظي يعين الإجزاء أو عدمه، فما هو الأصل العملي في المقام؟
 ذهبت جماعة من الأعلام منهم المحقق صاحب الكفاية إلى أنه في حال ارتفاع العذر في الوقت فضلا عن خارجه فإن الأصل العملي هو البراءة؛ ذلك أننا في الوقت نشك في أصل التكليف بالأعادة، والأصل البراءة من التكليف.
 أما خارج الوقت، فإن موضوع القضاء هو الفوت، ولا يصدق على من أتى بالمأمور به بالأمر الاضطراري أنه فاته الواجب حتما؛ لاحتمال أن يكون ما أتى به مجزيا، بل يشك في الفوت وعدمه، وهذا يلزمه الشك في القضاء؛ أي الشك في أصل التكليف، والأصل البراءة منه أيضا.
 نعم، لو فرضنا أن موضوع القضاء هو فوت الواقع؛ أي فوت المأمور به بالأمر الواقعي، والحال أنه فات حتما بإتيان المأمور به بالأمر الاضطراري، هنا يجب القضاء بلا إشكال، إلا أن موضوع القضاء ليس كذلك.
 الإنصاف:
 ذهب بعض الأعلام إلى وجوب الإعادة بتصويرات ثلاثة:
 التصوير الأول: (أصالة الاشتغال)
 قبل عروض الاضطرار كانت ذمة المكلف مشغولة يقينا بالصلاة مع الوضوء، ثم أتى
 بالفعل الاضطراري، وهي الصلاة مع التيمم، فحصل له الشك بفراغ ذمته من الصلاة بعد إتيانها بالأمر الاضطراري، والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، والفراغ اليقيني يقتضي الإتيان بالصلاة مع الوضوء بعد ارتفاع العذر.
 وفيه: لما كانت وظيفة المكلف على مبنى القوم الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري، فبعد امتثال المكلف لهذا الأمر في مورد الاضطرار، نحتاج إلى أمر جديد للإعادة، والأصل عدمه. نعم، على مبنانا من أن وظيفة المكلف الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي، تجب الإعادة؛ لما مر من أن ارتفاع العذر في الأثناء يكشف للمكلف بقاء الأمر الواقعي.
 التصوير الثاني: (الاستصحاب التعليقي)
 حينما لم يكن المكلف قادرا على الماء، وقبل الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري يقول: (لو حضر الماء لوجبت عليّ الصلاة مع الوضوء)، ثم بعد الإتيان به إذا حضر الماء يستصحب وجوب الصلاة مع الوضوء الذي كان معلقا على حضور الماء قبل الفعل الاضطراري، وعليه تجب الإعادة مع الوضوء.
 وفيه: ذكرنا سابقا أنه لا حجية للاستصحاب التعليقي في نفسه، فضلا عن كونه من استصحاب الحكم الكلي وهو غير جار لدينا.
 أما ما قاله البعض من أنه استصحاب تنجيزي باعتبار أن الاضطرار كالجهل؛ فكما أن الجهل لا يرفع الحكم الواقعي إلا أنه يعطل منجزيته، فكذلك الاضطرار فهو لا يرفع الحكم الواقعي الأولي إلا أنه يعطل باعثيته، وعليه لا إشكال في استصحابه، ففيه: أولا: إن الاضطرار كالنسيان رافع للحكم الواقعي، وليس كالجهل، وإلا لكان الحكم الاضطراري حكما ظاهريا، وهذا خلف كونه حكما واقعيا ثانويا. وعليه، مع ارتفاع الحكم الواقعي الأولي لا يبقى مجال لاستصحابه.
 ثانيا: لو سلمنا بأنه استصحاب تنجيزي، إلا أنه لا يجري أيضا لأنه من استصحاب الحكم الكلي.
 التصوير الثالث: (العموم الأزماني)
 لما كنا مكلفين بالصلاة مع الوضوء في كل وقت، ثم اضطررنا للصلاة مع التيمم، فإذا ارتفع الاضطرار في الوقت نستصحب العموم الأزماني الاستغراقي؛ أي نرجع إلى العموم
 العام، وهي الصلاة مع الوضوء، وعليه تجب الإعادة، ولا نستصحب الحكم الخاص وهو الصلاة مع التيمم.
 وفيه: هذا الكلام في غير محله؛ لأنه ليس لدينا عموم استغراقي فيما يتعلق بوجوب الصلاة؛ لأننا مكلفون بصلاة واحدة، لا بصلوات متعددة على امتداد وقتها، وذلك خلافا لموارد النهي.
 والخلاصة: إنه تجب الإعادة بحال ارتفاع الاضطرار داخل الوقت لا بأصالة الاشتغال ولا بالاستصحاب التعليقي ولا التنجيزي ولا استصحاب العموم الأزماني، بل تجب الإعادة بالأمر الواقعي الأولي الذي ينكشف بقاؤه بعد ارتفاع الاضطرار في الوقت.
 الصورة الثانية: مقام الثبوت
 كان الكلام في الصورة الأولى، وهي فيما لو ارتفع الاضطرار داخل الوقت، أما لو ارتفع خارجه، فقد ذهب الميرزا النائيني وذهبنا معه إلى لا بدية الإجزاء، وعدم وجوب القضاء، وتوضيحه: إن الطهارة المائية التي هي شرط واقعي للصلاة، لا يخلو حالها من أمرين:
 فإما أن يكون لها دخالة في ملاك مصلحة الصلاة مطلقا؛ أي سواء كانت الطهارة المائية موجودة أم لا، وعليه تكون الصلاة بلا طهارة مائية بلا ملاك مصلحة، فلا يمكن الأمر بها؛ لأن الوجوبات تابعة لملاك المصلحة في متعلقاتها، وعليه مع عدم الطهارة المائية يسقط الأمر بالصلاة، فيتوجب القضاء بحال وجد الماء؛ لصحيح زرارة، عن أبي جعفر ع ( أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ) [1] .
 وإما أن يكون للطهارة المائية دخالة في ملاك مصلحة الصلاة في حال واحدة، وهي حال التمكن منها، ولا يكون لها دخالة في ملاك مصلحة الصلاة في حال عدم التمكن منها، فتكون الصلاة مع التيمم بملاك تام، فلا يفوت شيء بتركها مع الطهارة المائية حال عدم التمكن منها. وبما أن موضوع الأمر الاضطراري، وهو استيعاب العذر لتمام الوقت، قد تحقق، فيكون المكلف مأمورا بالصلاة مع التيمم، ومن هنا لا محيص عن القول بالإجزاء؛ إذ لا يعقل الجمع بين الأمر بالأداء مع التيمم، والأمر بالقضاء مع الوضوء، لأن
 معنى الأول عدم فوات شيء، ومعنى الثاني فوات شيء، وهما نقيضان لا يجتمعان.
 الصورة الثانية: مقام الإثبات
 قد يدعى إمكانية التمسك بإطلاق آية التيمم أو صحيح زرارة ومعتبرة السكوني المتقدمة لإثبات عدم وجوب الإعادة؛ باعتبار أن المولى في مقام البيان وقد أمر بالتيمم مطلقا دون التقييد بوجوب القضاء حال التمكن من الماء خارج الوقت.
 وفيه: ذكرنا في الصورة الأولى أنه لا يمكن التمسك بإطلاق الآية المباركة؛ لأن المولى في مقام بيان أصل تشريع التيمم في حال عدم التمكن من الماء، وعليه فالآية مهملة من جهة وجوب الإعادة في الوقت أو القضاء بعده. ومع عدم الإطلاق نرجع إلى الأصل العملي وهو البراءة؛ لأننا كنا على يقين بكوننا مأمورين بالصلاة مع التيمم، وقد أتينا بها كذلك، ثم شككنا بعد خروج الوقت بوجوب القضاء، فالأصل البراءة، ولا يجب القضاء.


[1] وسائل الشيعة باب 57 من أبواب المواقيت ج4، ص274، ح1.