الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 أما الصورة الأولى؛ أي فيما لو ارتفع الاضطرار داخل الوقت، فيقع الكلام فيها تارة في مقام الثبوت، وأخرى في مقام الإثبات.
 الصورة الأولى: مقام الثبوت
 لا شك أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد، فالأمر الواقعي بالصلاة بالطهارة المائية في متعلقه مصلحة ملزمة، فإذا لم يكن المكلف قادرا على الإتيان به، تأتي النوبة إلى الأمر الواقعي الثانوي؛ أي الأمر الاضطراري، وهنا بناء على وحدة السنخية بين المصلحة القائمة في متعلق الأمر الواقعي الأولي، والمصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري، لا يخلو الأمر من صور أربع:
 - الصورة الأولى: أن تكون المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي.
 - الصورة الثانية: أن تكون المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، ولا يمكن تدارك هذا التفاوت.
 - الصورة الثالثة: أن تكون المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، ويستحب تدارك هذا التفاوت.
 - الصورة الرابعة: أن تكون المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، ويجب تدارك هذا التفاوت.
 هذه الصورة التي ذكرها صاحب الكفاية، ونضيف عليه صورة خامسة، وهي تفريع على الصورة الثانية: فإن كانت المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، ولا يمكن تدارك هذا التفاوت، فإما أنه يحرم تفويته، وبالتالي لا يجوز البدار إلى امتثال الأمر الاضطراري، أو يجوز تفويته، فيجوز البدار حينئذ.
 وقبل الكلام في ما تقتضيه هذه الصور من الإجزاء وعدمه، نشكل على ما بنى عليه الأعلام من المسانخة بين مصلحة الأمر الواقعي والاضطراري، مما دعاهم لحصر صور الأمر الاضطراري بهذه الصور المتقدمة؛ ذلك أنهم اعتبروا أن المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري إما أن تكون وافية بالمصلحة في الأمر الواقعي أو لا، وبالتالي قسموا صور الأمر الاضطراري بالنظر إلى المصلحة الواقعية.
 الإشكال الأول:
 إذا جئنا إلى مبحث التقية، فحينما نتوضأ بوضوء الجماعة أو نصلي صلاتهم في حال التقية بالأمر الاضطراري، تكون المصلحة من هذا الأمر قائمة في التقية نفسها، وهي حفظ النفس أو العرض أو المال، وهذه لا ربط لها بالمصلحة الواقعية القائمة بنفس الصلاة. ولا وجه لما ذهب إليه الأعلام من استثناء التقية عن بقية الأوامر الاضطرارية؛ لأن مجرد ورود روايات في الأمر الاضطراري للتقية لا يخرجه عن محل البحث.
 وعليه، لا دليل على المسانخة بين المصلحتين، بل ما ذكرناه في التقية شاهد على انتفائها.
 الإشكال الثاني:
 إن العامة رغم ذهابهم إلى أن الأحكام غير تابعة للمصالح والمفاسد أصلا، أو أنها قائمة في نفس التكليف، نجدهم بحثوا مسألة الإجزاء، فلو كان الكلام في مسألة الإجزاء مبني على المسانخة بين المصلحتين، والحال أنهم لم يفترضوا وجود مصلحة في المتعلق أصلا، لما تطرقوا إلى مبحث الإجزاء.
 وبعد نفي المسانخة بين المصلحتين، نأتي إلى بيان ما تقتضيه الصور الأربعة من الإجزاء وعدمه:
 أما الصورة الأولى، فيما لو كانت المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، فهنا لا إشكال في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به بالأمر الواقعي؛ لاستيفاء المصلحة كاملة.
 أما فيما يتعلق بجواز البدار إلى الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري، فمرجعه إلى المستفاد من الدليل في مقام الإثبات، فإن كان موضوع الأمر الاضطراري هو العذر المستوعب للوقت، فلا يجوز البدار؛ لعدم تحقق الموضوع، نعم إن حصل العلم أو الاطمئنان ببقاء العذر إلى نهاية الوقت، فيجوز حينئذ. أما إن ظن أو شك أو احتمل بقاءه، فلا يجوز البدار بالأمر الاضطراري، وإنما يجوز له ذلك بالأمر الظاهري بعد استصحاب بقاء العذر.
 وأما الصورة الثانية، فيما لو كانت المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، ولا يمكن تدارك هذا التفاوت، فهنا أيضا لا إشكال في الإجزاء؛ إذ لا يمكن التكليف باستيفاء الناقص من المصلحة؛ لأنه تكليف بما لا يطاق. نعم، لا يجوز البدار لاحتمال ارتفاع العذر، وبالتالي التمكن من استيفاء المصلحة كاملة، إلا إن حصل العلم أو الاطمئنان ببقاء العذر إلى نهاية الوقت، فهنا يجوز البدار. وكذا في حال الظن أو الشك أو احتمال بقاء العذر يجوز البدار ولكن بالأمر الظاهري بعد استصحاب بقاء العذر.
 وإن قيل: طالما أن المصلحة الكاملة تحصل بعد ارتفاع الاضطرار، فلماذا يشرع المولى البدار إلى الأمر الاضطراري وتحصيل المصلحة ناقصة، وبالإمكان تحصيلها كاملة بعد ارتفاع الاضطرار؟ قلنا: قد يكون في البدار واستيفاء المصلحة داخل الوقت ولو ناقصة مصلحةٌ خاصة أهم من تحصيل المصلحة كاملة بعد ارتفاع الاضطرار.
 وأما الصورة الثالثة، فيما لو كانت المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، مع استحباب تدارك هذا التفاوت، فهنا لا إشكال في الإجزاء أيضا، وإنما تستحب الإعادة بعد ارتفاع العذر لاستحباب التدارك. كما يجوز البدار مع العلم أو الاطمئنان ببقاء العذر، وكذا يجوز البدار بالأمر الظاهري بعد استصحاب بقاء العذر في حال الظن أو الشك أو احتمال بقاء العذر.
 وأما الصورة الرابعة، فيما لو كانت المصلحة القائمة في متعلق الأمر الاضطراري غير وافية بالمصلحة القائمة في الأمر الواقعي، مع وجوب تدارك هذا التفاوت، فقد ذكر صاحب الكفاية بأن المكلف مخير بين أن يأتي بالفعل بالأمر الاضطراري وإعادته بحال ارتفاع العذر في الوقت أو قضائه بحال ارتفع بعده، وبين أن ينتظر حتى يرتفع العذر ويأتي بالمأمور به بالأمور الواقعي.