الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي\
 صور أدلة الإطلاق في البدل والمبدل منه:
 هناك أربع صور لدليل لأدلة البدل والمبدل منه من حيث الإطلاق وعدمه:
 الصورة الأولى:
 إذا كان كل من دليل البدل والمبدل منه مطلقا؛ حيث يقتضي إطلاق الأول عدم الإعادة والقضاء، ويقتضي إطلاق الثاني الإعادة والقضاء، إلا أنه لا تعارض بينهما؛ لأن إطلاق دليل البدل حاكم على إطلاق دليل المبدل منه حكومة موسعة. هذا ما اتفقت عليه كلمة الأعلام، وعليه لا بد من القول بالإجزاء وعدم وجوب الإعادة والقضاء.
 الصورة الثانية:
 إذا كان دليل البدل مطلقا ودليل المبدل منه مهملا أو مجملا، هنا نأخذ بإطلاق دليل البدل، وعليه يكون الإتيان به مجزيا عن المبدل منه، ولا تجب الإعادة ولا القضاء.
 الصورة الثالثة:
 إذا كان دليل المبدل منه مطلقا ودليل البدل مهملا أو مجملا، هنا نأخذ بإطلاق دليل المبدل منه، مما يقتضي عدم الإجزاء ووجوب الإعادة والقضاء.
 الصورة الرابعة:
 إذا كان كل من دليل البدل والمبدل منه مهملا أو مجملا، هنا تأتي النوبة إلى الأصل العملي، وهذا ما سنبينه قريبا.
 كلام السيد البروجردي في الإجزاء:
 ذهب السيد البروجردي إلى الإجزاء؛ إذ ليس في الواقع أمران أولهما واقعي والثاني اضطراري لنسأل عن إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الثاني عن المأمور به بالأمر الأول، وإنما هناك أمر واحد واقعي انصب على طبيعي المأمور به، كل ما في الأمر أن هذا الطبيعي له أصناف وأنواع تختلف باختلاف حالاته؛ مثلا: الأمر بالصلاة واحد، إلا أن الصلاة بالطهارة المائية نوع، والصلاة بالطهارة الترابية نوع آخر، ولكن الأمر بهما واحد، لا سيما إذا نظرنا إلى تنـزيل التيمم منـزلة الوضوء بل إلى جعلهما فردين لطبيعي الطهارة؛ كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر : "فإن التيمم أحد الطهورين".
 وهذا نظيره في صلاة الحضر والسفر، فإن من وجب عليه التقصير في السفر إلا أنه لم يصل حتى خرج الوقت وهو كذلك، وجب عليه قضاء صلاته قصرا كما فاتته وإن حل في بلده، فلو لم تكن صلاة السفر مجزية لوجب عليه قضاؤها تماما بعد عودته إلى بلده.
 الجواب:
 أولا: إن القياس على صلاة المسافر في غير محله؛ لورود الدليل الخاص فيها، خلافا لغيرها؛ فإن الإجماع على أنه من كانت وظيفته التيمم إلا أنه لم يصل حتى خرج الوقت، ثم حضرته الماء، وجب عليه قضاء هذه الصلاة بالطهارة المائية رغم أنها حينما فاتته كانت واجبة بالطهارة الترابية. وكذا من كانت وظيفته الصلاة من جلوس لعذر، إلا أنه لم يصل حتى خرج الوقت، ثم ارتفع العذر، وجب عليه قضاؤها من قيام لا كم جلوس كما فاتته.
 ثانيا: إنا نجد أن في الصلاة أوامر متعددة، وعليه فمجرد وجود عنوان عام للصلاة لا يجعل الأمر بها واحدا.
 كلام الشيخ النائيني في الإجزاء:
 يقول النائيني: لو كان المكلف غير قادر على الطهارة المائية طوال الوقت، فيكون مخيرا بين أفراد الطهارة الترابية تخييرا عقليا؛ لأنها متساوية الأقدام، فلا فرق بينهما من حيث الإجزاء. أما إن لم يكن قادرا على الطهارة المائية في أول الوقت فقط؛ حيث لا تكون أفراد الطهارة على امتداد الوقت متساوية؛ لأن الطهارة المائية أفضل من الترابية، هنا إن تيمم المكلف ثم حضره الماء في الوقت، يكون التيمم مجزيا ولا تجب الإعادة؛ لأن الشارع حينما أجاز له البدار إلى التيمم، فلا يخلو هذا الأمر من أن يكون ظاهريا، وهذا موكول إلى المقام الثاني من هذا المبحث، أو يكون واقعيا، وعليه يكون الإتيان بالمأمور به مجزيا عقلا.
 وإن قيل: ما المانع من أن يأمر الشارع بالبدار، ويأمر بالإعادة بحال ارتفع العذر في الوقت؟
 قلنا: إن الأمر بالإعادة في الوقت يتنافى مع كون الفرائض اليومية خمسة. وعليه، لا بد من القول بالإجزاء وإن ارتفع العذر في الوقت.
 الجواب:
 أولا: لم نجد أن المولى أجاز البدار في غير التقية، ولا إمكانية لقياس غيرها عليها.
 ثانيا: إن دعوى أن أمر الشارع بالإعادة مع أمره بالبدار يتنافى مع كون الفرائض خمسة، ينفع في خصوص الصلاة، ولا ينفع في غيرها.
 الإنصاف:
 إن هناك أمرين واقعيا واضطراريا، ولا يجزي الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به بالأمر الواقعي بحال ارتفاع العذر في الوقت؛ لأننا إذا لاحظنا أدلة الاضطرار نجد أن موضوعها هو الاضطرار المستوعب لتمام الوقت إلى حد لا يسعه بعد للمبدل منه.
 وعليه، لا يصدق على المكلف أنه مضطر واقعا إلى البدل إلا إذا كان عاجزا عن المبدل منه في تمام الوقت، أما بحال اضطرار المكلف إلى فرد من أفراد البدل؛ كالاضطرار إلى التيمم في أول الوقت، فيقال في ذلك أن ما اضطر إليه ليس مطلوبا منه، وما هو مطلوب منه ليس مضطرا إليه. ويترتب على ذلك عدم جواز البدار إلا إذا علم أو اطمأن ببقاء العذر إلى نهاية الوقت، أو استصحبه استصحابا استقباليا، إلا أنه في الحالتين إن ارتفع العذر في الوقت وجبت عليه الإعادة؛ فإن جواز البدار في الحالتين تكليفي، فلما ارتفع العذر في الأثناء انكشف أن المكلف كان متوهما أن هناك أمرا واقعيا.