الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الفور والتراخي \
 كان الكلام في صحة الاتيان بالمأمور به ثانية
 والإنصاف:
 إنه لا يمكن تبديل الامتثال بالامتثال بالفرد الأحسن أو المساوي أو بأي شيء أخر، والصورة التي ذكرها صاحب الكفاية مغالطة.
 توضيحه: إن المولى إذا أمر بالصلاة مثلا، فامتثل المكلف وأتى بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط، يسقط الغرض، فيسقط الأمر؛ إذ انطباق المأمور به على المأتي به قهري والإجزاء عقلي؛ فلو لم يكن هذا الفعل مجزيا لما أجزأ أي فعل آخر؛ لأن حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد. ومن هنا لا بد من إجزاء الفعل الأول، ومع الإجزاء يسقط الغرض، فلا يبقى أمر ليصحح الإتيان بالفعل ثانيا بنية الامتثال. نعم، يمكن الإتيان به بنية الرجاء احتياطا؛ لاحتمال أن لا يكون المأتي به أولا تاما.
 أما ما ذكره صاحب الكفاية، ففيه: إن المولى حينما يأمر عبده بجلب الماء يكون لدينا غرضان، غرض مترتب على الأمر، وهو إيصال الماء للمولى، وغرض للمولى، وهو رفع العطش عن نفسه بشربه الماء، وليس على العبد إلا تحقيق الغرض الأول؛ لأنه تحت اختياره خلافا للغرض الثاني، وبالتالي لا يمكن تكليفه به.
 وعليه، حينما أحضر العبد الماء تحقق الغرض المترتب على الأمر، فيسقط الأمر، ولا يبقى شيء حتى يمتثله العبد، أو نبدله بشيء آخر.
 نعم، هناك ما قد يتوهم أنه من تبديل الامتثال بالامتثال؛ كما فيما لو صلى المكلف صلاته فرادى، ثم صلاها جماعة عملا بصحيح هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ع أنه قال في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: ( يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء )
 وجوابه: إن الصلاة الثانية ليست بعنوان امتثال الأمر الأول، بل إما أنها بعنوان القضاء، أو استحباب الإعادة جماعة؛ وقد دل على المعنى الأول موثق إسحاق بن عمار، قال: ( قلت لأبي عبد الله ع: تقام الصلاة وقد صليت؟ فقال: صل واجعلها لما فات )
 وكذلك الأمر بالنسبة إلى صلاة الآيات؛ كما ورد في صحيح معاوية بن عمار، قال: ( قال أبو عبد الله ع صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد )
 فإن إعادتها قبل الإنجلاء هو امتثال للأمر باستحبابها، وليس امتثالا للأمر الأول بالوجوب، فلا يكون أيضا من باب تبديل الامتثال بالامتثال.
 المبحث الثامن: الفور والتراخي
 قال صاحب الكفاية: ( المبحث التاسع: الحق أنه لا دلالة للصيغة، لا على الفور ولا على التراخي نعم قضية إطلاقها جواز التراخي، والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها، بلا دلالة إلى تقييدها بأحدها، فلا بد في التقييد من دلالة أخرى )
 هذا هو المبحث الثامن والأخير من هذا الفصل الثاني، وترتيبه تاسعا لدى صاحب الكفاية، وحاصله: إن الأمر لا يدل بهيئته ولا بصيغته على الفور ولا عل التراخي، ولكن قبل الخوض في المبحث لا بد من بيان معنى كل منهما.
 نقول: إن الواجبات في الشريعة على أقسام:
 القسم الأول: الواجب الموسَّع؛ حيث يكون الوقت أوسع من الفعل؛ إذ يسعه ويسع غيره، فلا يشترط فيه تقديمه أول الوقت ولا تأخيره؛ وذلك كالصلوات اليومية؛ فصلاة الظهرين مثلا وقتها من الزوال إلى الغروب، والمطلوب الإتيان بصرف طبيعيها ضمن هذا الوقت بلا تقييد بآن معين.
 القسم الثاني: الواجب المضيق؛ حيث يكون الوقت بقدر الفعل؛ كالصوم؛ فإن وقته من الفجر إلى الغروب، وهو بقدر الواجب.
 القسم الثالث: وهو الواجب الفوري الذي يجب تقديمه أول الوقت، وهذا القسم له حالات ثلاث:
 - الحالة الأولى: إذا كان الواجب فوريا على نحو وحدة المطلوب؛ بحيث إذا لم يؤتَ به فورا سقط وجوبه؛ مثل وجوب رد التحية؛ حيث يجب المبادرة إلى ردها، فإن لم يفعل سقط الوجوب.
 - الحالة الثاني: إذا كان الواجب فوريا على نحو تعدد المطلوب؛ بحيث إذا لم يؤتَ به فورا في الزمن الأول، وجب الإتيان به في الزمن الثاني، وهكذا؛ مثل وجوب قضاء الصلاة بناء على وجوب الفورية في قضائها، فلو عصى المكلف ولم يأت بها في الزمن الأول، وجب عليه الإتيان بها في الزمن الثاني، وهكذا.
 - الحالة الثالثة: إذا كان الواجب فوريا على نحو تعدد المطلوب؛ بحيث إذا لم يؤتَ به فورا في الزمن الأول، صار موسَّعا؛ مثل وجوب صلاة الآيات، فإن لم يأت بها المكلف قبل الإنجلاء صار موسعا بعده.
 إذا عرفت ذلك فنقول:
 إنه لا دلالة للأمر على الفور أو التراخي لا بهيئته ولا بمادته؛ لما تقدم من أن الهيئة تدل على النسبة الإيقاعية الإيجادية بين المبدأ والمخاطب، فلا دلالة لها على الفور أو التراخي. وأما المادة، فهي موضوعة للماهية المهملة المعراة عن أية خصوصية والتي منها الفور والتراخي.
 وعليه، فإن مقتضى إطلاق صيغة الأمر إذا كان المتكلم في مقام البيان هو جواز التراخي والفورية؛ أي التخيير بينهما.
 هذا هو مقتضى الأصل اللفظي،
 وقد خالف المحقق الإيراواني أستاذه بدعوى أن مقتضى الظهور العرفي للأمر هو الفورية، وإن كان مقتضى الظهور اللغوي الأول هو التخيير.
 وفيه: إن الدلالة على الفورية ليس من طريق الصيغة لما تقدم من أن الصيغة بمادتها وهيئتها لا تدل على أي من الفور والتراخي، وإنما قد تتأتى الدلالة على أحدهما من قرينة خارجية مقالية أو مقامية، إلا أن ذلك خارج محل بحثنا المنصب حول دلالة الصيغة بحد ذاتها بقطع النظر عن أية قرينة خارجية.
 أما بالنسبة لما يقتضيه الأصل العملي على فرض عدم وجود أصل لفظي، فنقول: إن في تقييد الأمر بالفورية أو بالتراخي مؤنة زائدة، والأصل البراءة منها.
 والخلاصة: إن مقتضى الأصل اللفظي والعملي بالنسبة إلى صيغة الأمر، هو التخيير بين الفور والتراخي.