الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الواجب التعييني والتخييري \
 الدليل الثالث:
 وهو عمدة ما استدل به على التكرار، وحاصله: إن الأمر مثل النهي، فكما أن النهي لا يتحقق إلا بترك كل أفراد الطبيعة الطولية والعرضية، فكذلك الأمر لا يتحقق إلا بإتيان أفرادها كذلك.
 الجواب: إن النهي يختلف عن الأمر من جهتين:
 الأولى: إن الغرض من النهي دفع مفسدة في متعلقه، وبما أن هذه المفسدة متعددة وقائمة بكل فرد من أفراد المتعلق انحل النهي إلى نواهٍ متعددة تعلق كل واحد منها بفرد على حدة.
 أما الأمر، فالغرض منه تحقيق مصلحة في متعلقه، والعرف يرى أن هذه المصلحة قائمة بصرف وجود الطبيعة؛ بحيث لو قال المولى: (تصدَّق على المسكين)، لكفى التصدق على واحد، إلا إذا كان الأمر محفوفا بقرينة دالة على قيام المصلحة بجميع أفراد الطبيعة.
 الثانية: إن المكلف قادر على ترك كل أفراد طبيعي متعلق النهي بلا حرج؛ كأن يترك كل أفراد الزنا، بينما لا يمكن امتثال كل أفراد الأمر؛ كما في قول المولى: (صلِّ الظهر)، فبناء على القول بالتكرار يلزم الإتيان بجميع أفرادها، وهذا إن لم يكن متعذرا فهو متعسر، وكلاهما منفيان في الشريعة.
 وعليه، بعد تبين اختلاف النهي عن الأمر، امتنع القياس بينهما من جهة تحقق النهي بترك كل أفراد طبيعي متعلقه الطولية والعرضية، فضلا عن كون استفادة ذلك في النهي لم يأت عن طريق الصيغة، بل عن طريق العقل القاضي بأن دفع المفسدة القائمة في متعلق النهي لا يكون إلا بترك جميع أفراد الطبيعة.
 فالإنصاف: إنه مع الشك في دلالة الأمر على المرة والتكرار، فإن مقتضى القاعدة هو الاكتفاء بصرف الوجود؛ وذلك عن طريق إدراك العقل أن تحقق الطبيعة بذلك، لا عن طريق صيغة الأمر.
 صحة الإتيان بالمأمور به ثانيا:
 قال صاحب الكفاية: ( تنبيه: لا إشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال، وأنه لا مجال للإتيان بالمأمور به ثانيا، على أن يكون أيضا به الامتثال، فإنه من الامتثال بعد الامتثال. وأما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار، فلا يخلو الحال: إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان، بل في مقام الإهمال أو الإجمال، فالمرجع هو الأصل. وإما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام، فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الإشكال في جواز أن لا يقتصر عليها، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها، هو الإتيان بها مرة أو مرارا لا، لزوم الاقتصار على المرة، كما لا يخفى )
 حاصل هذه المسألة أنه بناء على دلالة الأمر على المرة لا التكرار، فلا إشكال في الامتثال الأول وسقوط التكليف به، وإنما الكلام في الامتثال الثاني وما بعده، فهل يصح الإتيان به بقصد أنه مأمور به أيضا؟
 يجيب صاحب الكفاية بأنه لا يصح ذلك؛ للزومه التشريع والامتثال بعد الامتثال، وهو محال بعد فرض سقوط الأمر بالامتثال الأول.
 وأما على المختار من أن الأمر لا يدل على المرة ولا التكرار، فلا يخلو الحال: إما أن يكون في مقام الإهمال أو الإجمال، فالمرجع هو أصالة البراءة. وإما أن يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان، وهنا لا إشكال في الإتيان بالمرة الأولى، أما بالنسبة إلى دلالة الإطلاق على المرة الثانية وما بعدها، ففيه أنه بأي عنوان يؤتى بالمرة الثانية وما بعدها والفرض أن التكليف قد سقط بالمرة الأولى؟! نعم، لا إشكال في استحباب الإتيان بالمرة الثانية بعنوان الاحتياط.
 ثم إن صاحب الكفاية ارتاح من هذا الجانب بتفسيره الإطلاق على أن المراد منه الأفراد العرضية لا الطولية، فيكون مقتضاه الإتيان بالأفراد دفعة واحدة في عرض واحد.
 وعليه، نحفظ الإطلاق من جهة، ويسقط التكليف من جهة أخرى، ولا يلزم الامتثال بعد الامتثال، بل يكون مستحيلا عقلا؛ لأنه لما حصل الامتثال بالأول وحصل الغرض وسقط الأمر، فيكون الإتيان ثانيا بلا أمر، فلا يصدق عليه أنه امتثال إلا في صورة واحدة، وهي فيما لو كان للمولى غرض أقصى ولم يتحقق بعد الامتثال الأول، ومع بقاء الغرض يبقى الأمر المصصح للامتثال الثاني؛ كما لو قال المولى لعبده: (آتني ماء لأشرب)، فامتثل العبد، إلا أن المولى لم يشرب الماء، وبالتالي لم يحصل الغرض من الأمر، وهو رفع العطش، ولم يسقط الأمر الأول، وعليه أمكن أن يأتي العبد بالمأمور به مرة ثانية بعنوان الامتثال للأمر الأول؛ حيث يمكن تبديل الامتثال الأول بالثاني.