الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الواجب التعييني والتخييري \
 مقتضى الأصل العملي:
 إذا لم يكن ثمة أصل لفظي يعيِّن النفسية أو الغيرية، فما هو مقتضى الأصل العملي؟
 نقول: تارة نشك في كون الوضوء مثلا واجبا غيريا أم نفسيا بعد الزوال، وأخرى قبله،
 فإن كان الشك بعد الزوال: أي بعد فعلية وجوب الصلاة، فلازم هذا الشك أنه هل الصلاة مقيدة بالوضوء أم لا؟ فمرجعه إلى الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين؛ لأننا على يقين بوجوب الفاتحة والسورة والركوع والسجود وباقي الأجزاء، وعلى يقين بوجوب الستر والاستقبال وباقي الشروط، ونشك في شرطية الوضوء، وبالتالي غيريته، فتجري البراءة عن الأكثر، فلا تكون الصلاة مقيدة بالوضوء، وعليه يكون واجبا نفسيا.
 أما لو كان الشك قبل الزوال: أي قبل فعلية وجوب الصلاة؛ إذ الفعلية متوقفة على الزوال، فذهب بعض الأعلام منهم الميرزا النائيني إلى أنه في هذه الصورة؛ حيث نعلم بوجوب الوضوء، ونعلم بوجوب الصلاة المعلق على الزوال، لو كان وجوب الوضوء نفسيا لكان فعليا قبل الزوال، ولو كان غيريا لكان مشروطا بالزوال كوجوب الصلاة الذي وجب لأجله، لأنه على فرض الغيرية يكون وجوب الوضوء مترشحا عن وجوب الصلاة، فلا يعقل أن يكون المترشَّح قبل الزوال فعليا والمترشَّح عنه غير فعلي. وعليه، نجري البراءة عن التكليف.
 وفيه: لما كان الفرض أننا نعلم بوجوب الوضوء، وإنما نشك في غيريته، فكيف نجري البراءة عنه؟!
 والإنصاف: إنا نعلم بإنشاء حكم وجوب الوضوء، ولا نحرز فعليته؛ لاحتمال أن يكون مقيدا بالزوال. وعليه، نجري البراءة عن التكليف الفعلي، فإن كان هذا مرادهم فهو صحيح، وإلا ففيه ما تقدم.
 ويبقى أن نشير إلى صورة ما لو فرضنا الشك في وجوب الصلاة نفسها، فشككنا بالتالي في أنه هل وجوب الوضوء نفسي، أم للصلاة المحتمل وجوبها؟
 ذهبت جماعة إلى جريان البراءة في الوجوب الفعلي للوضوء المقيد بالصلاة. وذهبت جماعة أخرى إلى أن وجوب الوضوء فعلي، وإنما تجري البراءة عن تقيده بالصلاة، وهو الحق؛ فإن هذه الصورة من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين؛ حيث اليقين موجود بالوجوب الفعلي للتسعة التي تشكل مقدمة حتمية للصلاة الكاملة، ونشك في كون العاشر داخلا في هذه المقدمة أم لا؟ فلا يمكن نفي التسعة لمجرد احتمال مقدميتها للعاشر، وهنا أيضا لا يمكن نفي وجوب الفعلي لاحتمال مقدميته للصلاة.
 
 الواجب التعييني والتخييري: تعريفهما
 الواجب التعييني: هو ما تعلق به الوجوب بخصوصه. أما الواجب التخييري فنذكر له تصويرين:
 التصوير الأول:
 صوِّر الواجب التخييري على أنه عبارة عن الجامع الانتزاعي بين شيئين أو أكثر، وهو تصوير معقول ثبوتا؛ إذ لا محذور في انصباب التكليف على الجامع الانتزاعي، وإنما الإشكال في عالم الإثبات؛ حيث لم نجد ما دل على هذا الانصباب. وعليه، فقبولنا لهذا التصوير بحال لم نجد غيره، إن وجدنا غيره لا نكون مضطرين للتصرف بظاهر الأدلة.
 التصوير الثاني:
 صوِّر الواجب التخييري أيضا على أن كل أفراده واجبة وجوبا تعيينيا، إلا أن كل وجوب مشروط بترك الآخر، ففي خصال كفارة الإفطار العمدي مثلا، يجب الصوم ستين يوما وجوبا تعيينيا بشرط عدم الإطعام والعتق، كما يجب الإطعام بشرط عدم الصوم والعتق، ويجب العتق بشرط عدم الصوم والإطعام.
 أما ثبوتا، فقد ذهب بعض الأعلام إلى عدم إمكانه؛ لأن للوجوب التعييني ملاكا واحدا، وبما أن وجوب كل فرد من الخصال وجوب تعييني، فيكون لكل وجوب ملاكه الخاص، فيقع التزاحم بين هذه الملاكات في الخارج؛ لأن الشارع لا يريدها كلها، فيكون الواجب واحدا منها فقط. إلا أنه لو كان الوجوب واحدا، لكان الملاك واحدا أيضا قائما بإحدى الخصال، فكيف يكون الوجوب تخييريا والملاك فيه متعدد؟!
 كما لو كان وجوب كل منها مشروطا بترك الآخر، للزم أن تكون جميعها فعلية بحال ترك الجميع، وبالتالي ترتب عقابات ثلاثة على تركها، مع أن المترتب على ترك الواجب التخييري عقاب واحد.
 والجواب: مرة تتزاحم الملاكات، وأخرى تتزاحم الأحكام الفعلية؛ أي مرة يقع التزاحم في مقال الجعل، وأخرى في مقام المجعول.
 وبعبارة أخرى: قبل أن يشرع المولى الحكم تتزاحم ملاكات الخصال مثلا في عالم الجعل، فيقع الكسر والانكسار، فيشرع المولى الحكم طبق الملاك الأقوى. وهنا فرضنا أن كل واجب مشروط بترك الآخر، فتتزاحم الملاكات قبل التشريع، ولا يمكن أن يكون لكل منها ملاك تام، وإلا لكان واجبا تعيينيا، بل عندنا ملاك تام واحد قائم بإحدى الخصال، ومع عدم تعدد الملاك يرتفع البأس عن أن يكون لدينا واجب تخييري واحد.
 هذا لو كان التزاحم بين الملاكات، أما لو كان بين الأحكام في مقام المجعول والفعلية؛ كما لو دار الأمر بين إنقاذ غريقين دون أن أحدهما أهم من الآخر، فالملاك في كل منهما تام، ولكن لا يقدر المكلف عليهما، فكيون كل منهما مشروطا بترك الآخر، وهنا لا محظور من ترتب عقابين على ترك إنقاذهما، خلافا لصورة التزاحم بين الملاكات في عالم الجعل؛ لأن الملاك واحد، فيلزم من الترك عقاب واحد.
 والخلاصة: يمكن تصوير الواجب التخييري ثبوتا في عالم الجعل بوجود ملاك تام واحد. أما إثباتا، فلم يرد ما يدل على كون أحدهما مشروطا بترك الآخر.