الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي\ الاطلاق المقامي
 الدليل الثالث:
 حسنة أبي حمزة، عن علي بن الحسين قال: ( لا عمل إلا بنية ) [1] وخبر إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن محمد قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد، وعلي بن موسى بن جعفر، هذا عن أخيه، وهذا عن أبيه - موسى بن جعفر - عن آبائه عن رسول الله ص - في حديث - قال: ( إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله ، ومن غزا يريد عرض الدنيا، أو نوى عقالا، لم يكن له إلا ما نوى) [2] .
 وجه الاستدلال: استدل القائلون بأصالة التعبدية بهاتين الروايتين وأمثالهما باعتبار أنه لا يمكن حمل النفي على الحقيقة؛ لأن العمل قد وقع حقيقة، وعليه لا بد من تقدير شيء، فقدروا: (لا عمل صحيح أو مجز إلا بنية القربة).
 الجواب الأول:
 وهو للشيخ الأنصاري ؛ حيث قال: إن المراد من "لا عمل إلا بنية" أن العمل الاختياري لا يقع بلا قصد ونية؛ فلا يقال لمن أكره على عمل ما: (هذا عملك).
 الجواب الثاني:
 وهو للميرزا النائيني ؛ حيث قال: إن المراد أن العمل العبادي لا يكون إلا مع نية القربة، وليس المراد أن كل عمل في الخارج لا يصح إلا بنية القربة.
 الجواب الثالث:
 وهو أفضل من الجوابين المتقدمين؛ لأن من البداهة بمكان أنه لا فعل اختياري إلا بقصد الفاعل، فهو من توضيح الواضحات، كما أن الجواب الثاني لا يخلو من تكلف، فالأظهر أن المراد أن الله يجازي العباد على حسب نياتهم؛ أي الثواب بحسب النية، وليس المراد أن الصحة والفساد بحسبها.
 ومما يؤيده، أنه لو كان المراد أن كل عمل عبادي، للزم تخصيص الأكثر المستهجن؛ لما تقدم من أن أغلب الواجبات توصلية.
 فالخلاصة: إن مقتضى الأصل اللفظي توصلية الواجبات.
 الإطلاق المقامي:
 قال صاحب الكفاية: ( ثالثتها: إنه إذا عرفت بما لا مزيد عليه، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه - ولو كان مسوقا في مقام البيان - على عدم اعتباره، كما هو أوضح من أن يخفى، فلا يكاد يصح التمسك به إلا فيما يمكن اعتباره فيه. فانقدح بذلك أنه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها، ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه مما هو ناشئ من قبل الآمر، من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها، نعم إذا كان الأمر في مقام بصدد بيان تمام ماله دخل في حصول غرضه، وإن لم يكن له دخل في متعلق أمره، ومعه سكت في المقام، ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله، كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه، وإلا لكان سكوته نقصا له وخلاف الحكمة، فلا بد عند الشك وعدم إحراز هذا المقام، من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل )
 بعد أن نفى صاحب الكفاية الإطلاق اللفظي؛ إذ مع عدم إمكان التقييد لا يمكن الإطلاق، استثنى صورة الإطلاق المقامي؛ فإن عدم ذكر المتكلم لبعض القيود حال كونه في مقام البيان دال على عدم أخذها في الغرض، وعليه فالإطلاق المقامي ينفي القيود المسكوت عنها المحتمل دخالتها في الغرض، وإن لم ينف ما يحتمل دخله في المتعلق.
 وعليه، إ ذا كان لقصد الامتثال دخالة في الغرض لذكره المولى. ولا يرد عدم إمكان أخذه في المتعلق؛ لأن الكلام في الإطلاق المقامي لا في الإطلاق المقالي، وبالتالي يمكن للمولى أن يأتي بقيد قصد الامتثال من خلال جملة ثانية.
 وليس الأمر كما ذهب إليه صاحب الكفاية من أنه لا سبيل إلى إحراز ما يتوقف عليه الإطلاق المقامي، وهو إحراز كون المتكلم في مقام البيان؛ لإمكانية التمسك بالأصل العقلائي كما تمسكنا به في الإطلاق اللفظي، وهو أن الأصل أن يكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده.
 والخلاصة: إن ما ذهب إليه صاحب الكفاية من أنه لا إطلاق مقالي ولا مقامي في غير محله، فإن الإطلاقين متوفران، وكلاهما يقتضي أصالة التوصلية.


[1] () وسائل الشيعة باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ج1، ص46، ح1.
[2] () وسائل الشيعة باب 5 من أبواب مقدمة العبادات ج1، ص48، ح10.