الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي\
 الجهة الثانية: من المقام الأول (في بقية الدواعي)
 بعد الفراغ من الكلام عن الأصل اللفظي فيما إذا كان الداعي قصد امتثال الأمر، تأتي النوبة للكلام عما إذا كان الداعي غير ذلك؛ كأن يكون الداعي حسن الفعل، أو قصد المصلحة فيه، أو كونه حبا لله، أو خوفا من النار، أو طمعا بالجنة، أو كونه تعالى أهلا للعبادة، وغير ذلك، لنسأل: أولا: هل يمكن أخذ هذه الدواعي في متعلق الأمر؟ وثانيا: إن فرضنا إمكان أخذها في متعلق الأمر، فهل يمكن التمسك بالإطلاق لنفيها وبالتالي إثبات التوصلية؟
 قال صاحب الكفاية : "هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال. وأما إذا كان بمعنى الإتيان بالفعل بداعي حسنه، أو كونه ذا مصلحة أو له تعالى، فاعتباره في متعلق الأمر وإن كان بمكان من الإمكان، إلا أنه غير معتبر فيه قطعا؛ لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال، الذي عرفت عدم إمكان أخذه فيه بديهة".
 نقول:
 أولا: اختلف الأعلام حول صحة العبادة حال كون الداعي لها غير قصد امتثال الأمر؛ فذهب المشهور إلى صحتها، وذهب صاحب الجواهر والشيخ البهائي وجماعة، ونحن منهم، إلى عدم صحتها بحال قصدت في عرض قصد امتثال الأمر، نعم لا إشكال في صحة العبادة فيما لو قصدت هذه الأمور في طول قصد الامتثال، وعليه حملنا كلام المشهور وإن لم يكن ظاهرا في ذلك.
 ثانيا: بناء على كفاية سائر الدواعي في صحة العبادة، فهل يمكن أخذها في متعلق الأمر؟
 ذهب صاحب الكفاية إلى الإمكان؛ ذلك أن إشكال الدور وعدم القدرة على امتثال الأمر غير واردين.
 أما إشكال الدور، فهو مدفوع بكون هذه الدواعي ليست متوقفة على الأمر، فصحيح أن الأمر متوقف على المتعلق بها، ولكنها ليست متوقفة على الأمر.
 نعم، أخذ هذه الدواعي في المتعلق وإن كان ممكنا، إلا أننا نقطع بعدم أخذها كذلك؛ بدليل أننا لو أتينا بالعبادة بقصد الامتثال لصحت وإن لم نقصد بقية الدواعي، وهذا كاشف عن عدم أخذها في المتعلق، وإلا لو كانت مأخوذة فيه لما صحت العبادة بترك قصدها.
 وفيه:
 أولا: إن أجاب صاحب الكفاية على إشكال الدور، إلا أنه لم يجب على إشكال عدم القدرة على الامتثال، فهو وارد هنا أيضا؛ إذ كيف يؤتى بالصلاة بأحد هذه الدواعي، والحال أنه لا أمر بالصلاة وحدها؛ حيث إن الأمر قد تعلق بالصلاة المقيدة بهذا الداعي؟!
 ثانيا: إشكال الدور باق؛ إذ لو صلى المكلف بقصد المصلحة؛ أي بقصد الملاك القائم في الصلاة، والحال أن قصد المصلحة مأخوذ في المتعلق، فيكون قصد المصلحة متوقفا على وجود المصلحة نفسه، والمصلحة متوقفة على قصدها؛ لأن ملاك الصلاة قائم بالصلاة مع تمام قيودها، ومن هذه القيوم قصد المصلحة؛ لفرض أنها مأخوذة في المتعلق. وعليه، تكون المصلحة متوقفة على قصدها، وقصدها متوقف عليها، وهو دور.
 ثالثا: أما كلامه عن القطع بعدم أخذ هذه الدواعي في المتعلق؛ بدليل صحة العبادة بدون قصدها، فصحيح أن قصد امتثال الأمر كاف في صحة العبادة، وأن هذا كاشف عن كون هذه الدواعي ليست مأخوذة بنفسها في المتعلق، ولكن لا يلزمه كون الجامع بين القربات ليس مأخوذا فيه.
 وتوضيحه: مرة يقول المولى: (صل بقصد امتثال الأمر)، أو(صل بقصد حسن الفعل)، أو (صل بقصد الخوف من النار)، أو (صل بقصد الطمع بالجنة) ... ومرة يقول: (صل بقصد القربة إلى الله)، فيأخذ الجامع بين القربات؛ أي عنوان القربة إلى الله، في المتعلق، وهنا تصح العبادة بأي فرد من أفراد الجامع.
 وإن قيل: لما كان أحد أفراد الجامع، وهو (قصد امتثال الأمر)، لا يمكن أخذه في المتعلق، امتنع أخذ الجامع نفسه قيد فيه،
 قلنا: لا يشترط في أخذ الجامع قيدا في المتعلق أن تكون كل أفراده مقدورة، بل يكفي أن يكون بعضها مقدورا.
 كلام النائيني:
 ذهب الميرزا إلى عدم إمكان أخذ هذه الدواعي في متعلق الأمر؛ لأن الإرادة التكوينية الشخصية المتعلقة بالفعل الخارجي، إنما نشأت من الداعي، فلو كان الداعي مأخوذا في المتعلق، فتكون الإرادة متعلقة بالصلاة مثلا وبالداعي، وبالتالي يكون الداعي متوقفا على الإرادة، والإرادة متوقفة على الداعي، وهو دور.
 ثم ذكر تتمة لكلامه بأن الإرادة التشريعية كذلك كالإرادة التكوينية؛ لأنها لا تتعلق إلا بما تتعلق به الإرادة التكوينية، فإن لم يمكن أن تتعلق إرادة الغير التكوينية بشيء، لم تتعلق به الإرادة التشريعية للمولى.
 الجواب النقضي: لما صحح الميرزا أخذ قصد امتثال الأمر وبقية الدواعي قيدا في المتعلق من خلال تعدد الأمر ومتمم الجعل، نسأله: هل عندنا إرادة لهذا الفعل أم لا؟ نعم، لدينا إرادة تكوينية وهي نشأت من الداعي، وقصد الامتثال داع، وهو من الكيفيات النفسانية، فكيف تتعلق به الإرادة؟!
 الجواب الحلي: هو جواب السيد أبي القاسم الخوئي ، ومفاده: الإرادة تتوقف على منشئها، وهو الداعي، ولكن الإرادة التي تعلقت بالفعل والداعي هي غير الإرادة الشخصية التي نشأت من الداعي، فلا يلزم الدور.
 والإنصاف: أن هذا الكلام ممكن، إلا أن الإرادة الشخصية التي تعلقت بالفعل والداعي، لما كانت ممكنة الوجود، فلا بد لها من داع تنشأ منه، فالإشكال باق.