الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي \
 المقدمة الثانية: النسبة بين التعبدي والتوصلي على المعنيين
 إن النسبة بين التعبدي بالمعنى الأول والثاني هي العموم من وجه، وكذا النسبة بين التوصلي بالمعنى الأول والثاني، وكذا النسبة بين التعبدي بالمعنى الأول والتوصلي بالمعنى الثاني.
 وتوضحيه:
 أولا: أما التعبدي بالمعنى الأول والثاني، فيجتمعان في الصلاة اليومية وصوم شهر رمضان ونحوهما. ويفترق الأول عن الثاني بالواجبات التي لا يشترط فيها قيد المباشرة من المكلف نفسه؛ كالزكاة والحج في حال العجز عن المباشرة ونحوهما. بينما يفترق الثاني عن الأول بمثل وجوب رد التحية ونحوه؛ فإنه واجب تعبدي بالمعنى الثاني؛ حيث يشترط فيه قيد المباشرة، دون المعنى الأول؛ لعدم اشتراط قصد القربة فيه.
 ثانيا: أما التوصلي بالمعنى الأول والثاني، فيجتمعان في وجوب إزالة عين النجاسة مثلا؛ فإنها واجبة توصلية بالمعنى المعنى الأول والثاني؛ إذ لا يعتبر فيها قصد القربة ولا المباشرة. ويفترق الأول عن الثاني بمثل وجوب رد التحية؛ فإنه واجب توصلي بالمعنى الأول؛ لعدم اعتبار قصد القربة فيه، ولكنه ليس توصليا بالمعنى الثاني؛ لاعتبار المباشرة فيه. بينما يفترق الثاني عن الأول بمثل وجوب الزكاة؛ حيث إنها واجب توصلي بالمعنى الثاني؛ لعدم اعتبار المباشرة فيه، ولكنه ليس توصليا بالمعنى الأول؛ لاعتبار قصد القربة فيه.
 ثالثا: أما التعبدي بالمعنى الأول والتوصلي بالمعنى الثاني، فيجتمعان في الزكاة أيضا ونحوها؛ فهي واجب تعبدي بالمعنى الأول؛ لاعتبار القربة فيها، وتوصلي بالمعنى الثاني؛ لعدم اعتبار المباشرة فيها. ويفترق الأول عن الثاني بمثل الصلاة اليومية؛ فهي واجب تعبدي بالمعنى الأول؛ لاعتبار قصد القربة فيها، وليست واجبا توصليا بالمعنى الثاني؛ لاعتبار المباشرة فيها. بينما يفترق الثاني عن الأول بمثل تطهير الثياب؛ فهو واجب توصلي بالمعنى الثاني؛ لعدم اعتبار المباشرة فيه، وليس واجبا تعبديا بالمعنى الأول؛ لعدم اشتراط قصد القربة فيه.
 الجهة الأولى: الأصل اللفظي
 بعد الفراغ من بيان حقيقة التوصلي والتعبدي، والنسبة بينهما، نشرع في بيان الجهة الأولى التي أشرنا إليها في بداية المبحث، وهي أنه إذا أوجب المولى شيئا، فهل يقتضي إطلاق الصيغة المباشرة أم لا؟
 أولا: قبل الخوض في مقام الإثبات، لا بد من السؤال: هل يمكن الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت؟ إذ مع عدم إمكانهما ثبوتا، يلغو الكلام عن إمكانهما إثباتا.
 
 فنقول: إن تصوير التكليف ثبوتا على نحو أن يأتي به المكلف أو غيره، على صورتين:
 - أن يقوم المكلف نفسه بالتكليف، أو يقوم به غيره بالاستنابة.
 - أن يقوم المكلف نفسه بالتكليف، أو يقوم به غيره تبرعا.
 أما الصورة الأولى: فلما كان فعل المكلف بمقدوره، وكذلك استنابته؛ لأنها من فعله أيضا، أمكن بالتالي تخييره بين أن يمتثل للواجب بنفسه، أو أن يستنيب أحدا. ولا يضر عدم وجود جامع بين فعل المكلف بنفسه واستنابته الغير عنه؛ لأن ذلك قوام التخيير العقلي لا التخيير الشرعي كما نحن فيه.
 وعليه، إن أمكن التخيير أمكن الإطلاق ثبوتا؛ بأن يكون الأمر موجَّها إلى المكلف سواء ناب عنه غيره فيه أم لا، كما أمكن التقييد بأن يكون الأمر موجَّها إليه بقيد أن لا ينوب عنه غيره.
 وبناء على إمكان الإطلاق والتقييد ثبوتا، نأتي إلى عالم الإثبات والدلالة، فنقول: إن قام الدليل على وجوب المباشرة، فيكون الواجب تعبديا بالمعنى الثاني، وإن قام الدليل على عدم وجوب المباشرة، فيكون الواجب توصليا بالمعنى الثاني. أما إن دار الأمر بين التعيين والتخيير، فإن إطلاق الصيغة يقتضي التعيين؛ أي التعبدية بالمعنى الثاني بالحمل على الإطلاق وأن الأمر موجَّه إلى المكلف سواء ناب عنه غيره أم لا؛ لأن التخيير يحتاج إلى مؤنة زائدة، وهي التقييد بعدم نيابة الغير، والأصل عدمها.
 وأما الصورة الثانية: فلما كان تبرع الغير عن المكلف ليس بمقدوره، لم يمكن تخييره، وليس هذا من قبيل الواجب الكفائي الذي يسقط بقيام الغير به؛ لضرورة أن من يقوم به إنما يقوم به عن نفسه، بخلاف التبرع، فإن من يقوم به إنما يقوم به عن المتبرَّع عنه.
 نعم، يمكن تصوير التبرع على نحو غير التخيير؛ بأن يكون متعلَّق الحكم مقيدا أو مطلقا، أو يكون الحكم نفسه مقيدا أو مطلقا.
 ومثال الأول؛ كما لو قال الشارع: (أدِّ الدين)؛ حيث يدور الأمر بين أن يكون موضوع الحكم؛ أي الدين، مطلقا، فيجب الأداء على المدين سواء تبرع الغير بالأداء عنه أم لا، أو مقيدا؛ فيجب الأداء ما لم يؤد الغير عنه تبرعا.
 ومثال الثاني؛ كما في وجوب الحج؛ حيث يدور الأمر بين أن يكون نفس الحكم مطلقا؛ فيجب الحج سواء تبرع الغير أم لا، أو مقيدا، فيجب الحج ما لم يحج الغير تبرعا.
 وبناء عليه، إن قام الدليل على وجوب المباشرة، فيكون الواجب تعبديا بالمعنى الثاني، وإن قام الدليل على عدم وجوب المباشرة، فيكون الواجب توصليا بالمعنى الثاني. أما إن دار الأمر بين الإطلاق والتقييد، فإن إطلاق الصيغة يقتضي عدم التقييد؛ أي التعبدية بالمعنى الثاني بالحمل على الإطلاق وأن الأمر موجَّه إلى المكلف سواء تبرع عنه غيره أم لا؛ لأن التقييد يحتاج إلى مؤنة زائدة، وهي التقييد بعدم تبرع الغير، والأصل عدمها.