الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ الجمل الخبرية والإنشائية \
 ذكر صاحب الكفاية: أنه إذا استعملت الجملة الخبرية في إنشاء الطلب بداعي البعث والتحريك يكون استعمالا حقيقيا فيما وضع له، بل نقول مستعملة في الإخبار لا في إنشاء الطلب، ومع ذلك يكون الاستعمال حقيقيا إذا كان الداعي هو البعث والتحريك، بل يكون استعمالها في الإخبار بداعي البعث والتحريك أبلغ من استعمال صيغة الأمر؛ لأنها إخبار عن الطلب في مقام وقوع المطلوب، والإخبار عن شيء فرع وقوع هذا الشيء، فكأن وقوعه حتمي لا يُرضى بتركه.
 وفيه:
 أولا: ذكرنا في مبحث الإخبار والإنشاء أن الاختلاف بين الجملة الخبرية والإنشائية معنوي وليس بالداعي والقصد؛ ففي قولك: (بعتُ) نسبة إيقاعية، إذا قصدت بها الحكاية عن النسبة الوقوعية؛ أي وقوع البيع في الماضي، فالجملة خبرية، وإذا لم أقصد الحكاية، وإنما قصدت إيجاد البيع في الخارج، فالجملة إنشائية
 ثانيا: ينبغي التنبه إلى أنه إنما تكون الجملة الخبرية آكد في الدلالة على الوجوب من صيغة الأمر فيما لو استعملت في الإخبار بداعي البعث والتحريك، أما لو استعملت في الإنشاء بداعي البعث والتحريك بلا قصد الإخبار، فلا تكون آكد في الدلالة على الوجوب من الصيغة؛ لانتفاء منشأ الآكدية وهو الإخبار عن وقوع المطلوب في مقام طلبه.
 ونضيف بأن هذه الصيغ الإخبارية المستعملة بداعي البعث والتحريك إنما تدل على الوجوب بالعقل كما بيّنا بالنسبة إلى صيغة الأمر، وليس بالوضع أو الإطلاق؛ لإدراك العقل لزوم الخروج من عهدة التكليف بامتثال طلب المولى ما لم يرخص بتركه؛ إذ لا مؤمِّن يوم القيامة من العقاب على تركه.
 المبحث الرابع: التعبدي والتوصلي
 قال صاحب الكفاية: ( إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا فيجزي إتيانه مطلقا، ولو بدون قصد القربة، أو لا؟ فلا بد من الرجوع فيما شك في عبديته وتوصليته إلى الاصل. لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات: إحداها: الوجوب التوصلي، هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب، ويسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدي، فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك، بل لابد - في سقوطه وحصول غرضه - من الاتيان به متقربا به منه تعالى )
 حاصل ما أفاده أن المولى إذا أوجب شيئا؛ كوجوب رد التحية في قوله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } فهل يمكن التمسك بإطلاق صيغة الأمر لإثبات التوصلية؛ باعتبار أن المولى أطلق ولم يقل: (فحيوا مع قصد القربة)؟ ثم إذا لم يمكن التمسك بالإطلاق لإثبات التوصلية، فهل هناك من أصل عملي في المقام؟
 قبل الإجابة على هذين السؤالين، لا بد من الإشارة إلى عدة مقدمات:
 المقدمة الأولى: حقيقة الواجب التعبدي والتوصلي
 أفضل تعريف للتعبدي والتوصلي هو تعريف المشهور الذي عليه صاحب الكفاية أيضا، وهو أن الواجب التعبدي: (هو الواجب لا يسقط إلا يسقط إلا إذا أتي به مع قصد القربة)، فلا يسقطه مجرد الامتثال ما لم تقصد القربة، بينما الواجب التوصلي: (هو الواجب الذي يسقط بمجرد الإتيان به وإن لم تقصد القربة).
 وهناك تفسير آخر، وهو أن الواجب التعبدي: (هو الواجب الذي تشترط فيه المباشرة) سواء قصدت القربة أم لا، والواجب التوصلي: (هو الواجب الذي لا تشترط فيه المباشرة) سواء قصدت القربة أم لا؛ وذلك كما في الزكاة؛ حيث يمكن أن يأتي بها غير المأمور بها شريطة إذنه. وعليه، تكون الزكاة واجبا توصليا على التفسير الأول؛ لاشتراط قصد القربة فيها، وواجبا توصليا على التفسير الثاني؛ لعدم اشتراط مباشرتها من قبل المأمور بها.