الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ الطلب والإرادة \
 والخلاصة على ما ذهب إليه صاحب الكفاية أن النـزاع بين الأطراف لفظي؛ إذ الكل متفق على اتحاد الطلب الحقيقي مع الإرادة الحقيقية، واتحاد الطلب الإنشائي مع الإرادة الإنشائية، فيكون لفظ (الطلب) مرادفا للفظ (الإرادة)؛ كالترادف بين الإنسان والبشر.
 والإنصاف أن النـزاع بين الأطراف نزاع معنوي، وأن الأشعري يريد من خلال التغاير بين الطلب الحقيقي والإرادة الحقيقية إثبات الكلام النفسي، وأن الموجود في النفس صفة أخرى حقيقية مغايرة للإرادة الحقيقية المسماة ﺑ(الطلب) تارة، وﺑ(الأمر) أخرى، وﺑ(الخبر) ثالثا.
 إذا عرفت ذلك فنقول: إن مقتضى الإنصاف هو التغاير بين الطلب والإرادة، إلا أن هذا التغاير لا يثبت الكلام النفسي الذي توخاه الأشعري. ثم إن وجه التغاير بينهما، هو أن الإرادة الحقيقية صفة قائمة في صقع النفس، وهي من مقولة الكيف النفساني، تحصل بالقهر لا بالاختيار، وهي التي يعبر عنها ﺑ(الشوق الأكيد). وهذه الإرادة لها مقدمات قهرية غير اختيارية أيضا من: تصور المراد، والتصديق بفائدته، وهيجان النفس إليه، بينما الطلب وإن كان أمرا حقيقيا، إلا أنه ليس صفة للنفس، بل هو من أفعالها، ومن فعل الجوارح لا الجوانح؛ لأنه عبارة عن التصدي خارجا للشيء؛ كطالب المال، وطالب العلم، فإنه لا يقال ذلك إلا لمن تصدى خارجا وأتى ببعض المقدمات، وإلا فبمجرد الشوق إليهما لا يقال له: (طالب لهما).
 وعليه، فلا ترادف بينهما، كما أنه لا ربط بين الطلب بهذا المعنى وبين الطلب الحقيقي الذي بمعنى الكلام النفسي، كما عن الأشاعرة؛ حيث استدلوا لإثبات الكلام النفسي المغاير للإرادة الحقيقية بعدة أدلة، منها:
 الدليل الأول:
 أولا: إن الكلام على قسمين: كلام لفظي مركب من حروف مسموعة متصرمة الوجود، فالتكلم بهذا المعنى للكلام صفة حادثة. وكلام نفسي يحكي عنه الكلام اللفظي.
 ثانيا: إن الله تعالى وصف نفسه بالمتكلم، فقال: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [1] ولا يمكن أن يكون المراد هو الكلام اللفظي الحادث، وإلا لزم أن يكون جل جلاله محلا للحوادث، وإنما المراد الكلام النفسي، فالتكلم بهذا المعنى للكلام صفة ذاتية قديمة قائمة بذاته المقدسة؛ نظير القدرة والعلم والحياة، إلا أنها مغايرة لهذه الصفات.
 وجوابه: إن منشأ توهم الأشعري يعود إلى خلطه ما بين الصفات الذاتية القديمة التي تقوم بالذات قياما اتحاديا عينيا؛ كالعلم والقدرة والحياة، وهي عين ذاته المقدسة، ومتحدة خارجا، وإن كان متغايرة مفهوما، وبين الصفات الفعلية التي تقوم بالذات قياما صدوريا؛ كالخالقية والرازقية والرحمانية، وهي صفات حادثة قد يوجدها الحق أو لا يوجدها تبعا للمصالح والمفاسد؛ فإنه لا يفعل إلا لغرض. والتكلم اللفظي من الصفات الفعلية الحادثة، فلا يلزم من نسبتها إلى الذات المقدسة أن تكون محلا للحوادث؛ لقيامها بالذات قياما صدوريا لا اتحاديا. وعليه، فلا ملجئ لدعوى الكلام النفسي لله .
 الدليل الثاني: إن الكلام اللفظي حاك عن الكلام النفسي، ومن هنا يقال: (عندي كلام أريد أن أفصح عنه)، ويدل عليه قوله تعالى: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [2] وقوله: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [3]
 جوابه:
 أولا: ما هو موجود في النفس هو صورة الكلام اللفظي، وليس الكلام اللفظي نفسه؛ وذلك شأن جميع الموجودات الخارجية التي تحصل صورها علمية في النفس.
 ثانيا: إن قولنا: (زيد قائم) مثلا ليس مدلولا للكلام النفسي؛ فهو لا يحكي عن صورة قيام زيد في النفس.
 ثالثا: في قوله تعالى: { وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }، لا يمكن استفادة الكلام من النفسي من إسرار القول؛ لأنه مجرد استعمال للفظ (القول) في كلام النفس، والاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.
 رابعا: أما في قوله تعالى: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ }، فلا دليل على أن المراد مما تخفيه النفس هو الكلام النفسي، بل لعل المراد النوايا الحسنة والسيئة. ثم لو سلمنا بأنه المراد، إلا أنه يبقى مجرد استعمال أيضا، وهو أعم من الحقيقة والمجاز.
 


[1] - سورة النساء، الآية 164.
[2] - سورة الملك، الآية 13.
[3] - سورة البقرة، الآية 284.