الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث السادس عشر \ ثمرة البحث
 المبحث السادس عشر: ثمرة بحث المشتق:
 بعد الفراغ من مباحث المشتق، بقي الكلام حول ثمرة هذه المباحث، بل ثمرة خصوص النـزاع حول ما لو كان المشتق موضوعا لخصوص المتلبس بالمبدأ أو للأعم. وقد ذكر الأعلام العديد من الثمرات، منها:
 الثمرة الأولى: ما دل على كراهة التغوّط والتبوّل تحت الشجرة المثمرة، فبناء على القول بالأخص ينتفي حكم الكراهة إذا عرت الشجرة من حملها، وبناء على القول بالأعم يبقى الحكم؛ لبقاء صدق عنوان الشجرة المثمرة حقيقة.
 ومن جملة الروايات الدالة على الكراهة: صحيحة عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله ع قال: ( قال رجل لعلي بن الحسين ع: أين يتوضأ الغرباء؟ قال: يتقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن، فقيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: أبواب الدور )
 ومنها: معتبرة السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه ع قال: ( نهى رسول الله ص أن يُتَغَوَّط على شفير بئر ماء يستعذب منها، أو نهر يستعذب، أو تحت شجرة فيها ثمرتها )
 الثمرة الثانية: ما دل على كراهة الوضوء بالماء الذي سخنته الشمس، فبناء على القول بالأخص ينتفي حكم الكراهة إذا بردت الماء، وبناء على القول بالأعم يبقى الحكم؛ لبقاء صدق عنوان الماء المسخن بالشمس.
 ومن جملة الروايات الدالة على الكراهة: معتبرة السكوني، عن أبي عبد الله ع قال: ( قال رسول الله ص: الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضؤوا به، ولا تغتسلوا به، ولا تعجنوا به، فإنه يورث البرص )
 الثمرة الثالثة: ما دل على حرمة أكل لحم الحيوان الجلال، ونجاسة بوله وخرئه، وعرقه على خلاف، فبناء على القول بالأخص ينتفي حكم الحرمة والنجاسة بعد الاستبراء، وبناء على القول بالأعم يبقى الحكم لبقاء صدق عنوان الجلال.
 ومن جملة الرواية الدالة على حرمة لحوم الجلال: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله ع، قال: ( لا تأكلوا لحوم الجلالة، فإن أصابك من عرقها فاغسله )
 هذه بعض ثمرات مبحث المشتق. والإنصاف أنه إنما تأتي ثمرة هذا البحث إذا لم يكن ثمة دليل على العنوان الآخر؛ أي عنوان الموضوع بعد انقضاء التلبس، وهذا نادر؛ لأن الأحكام الشرعية فصّلت بين العنوانين غالبا، فإنه حينها يقال: بناء على القول بالأخص يرتفع الحكم، وبناء على القول بالأعم يبقى الحكم.
 أما إذا ورد دليل على العنوان الآخر؛ كما في مسألة حرمة وطء الحائض مثلا، فإنه لا يُرجع إلى مبحث المشتق لمعرفة حكم الوطء بعد انقطاع الحيض، فيقال: بناء على الأخص تنتفي حرمة الوطء، وبناء على الأعم تبقى الحرمة؛ لبقاء صدق عنوان الحائض حتى بعد انقطاع الحيض؛ وذلك لورود الدليل على جواز الوطء.
 وكذا في مثل ما لو اشترى زيد بيتا من مال لم يتعلق به الخمس، ثم سكنه قبل حلول السنة، فيكون البيت حينئذ من مؤنته، فإذا استغنى بعد ذلك عن هذا البيت، فلا يرجع في تحديد الحكم إلى مبحث المشتق، فيقال: بناء على الأخص ينتفي عنوان المؤنة بالنسبة إلى البيت، فيتعلق به الخمس، بينما على القول بالأعم يبقى عنوان المؤنة، فلا يجب فيه الخمس؛ وذلك لورود الدليل على أن موضوع الخمس (ما أفاد)، كما في موثقة سماعة قال: ( سألت أبا الحسن B عن الخمس، فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير ) وعليه طالما لا يصدق على البيت أنه فائدة وربح حتى بعد الاستغناء عنه، فلا يجب فيه الخمس.
 المقصد الأول: الأوامر
 الفصل الأول: في ما يتعلق بمادة الأمر
 الجهة الأولى: معاني لفظ الأمر
 قال صاحب الكفاية:( المقصد الأول: في الأوامر. الفصل الأول: فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات، وهي عديدة: الأولى: إنه قد ذكر للفظ الأمر معان متعددة، منها الطلب؛ كما يقال، أمره بكذا. ومنها الشأن؛ كما يقال: شغله أمر كذا. ومنها الفعل؛ كما في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ }ومنها الفعل العجيب؛ كما في قوله تعالى: { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا } ومنها الشيء؛ كما تقول: رأيت اليوم أمرا عجيبا. ومنها الحادثة، ومنها الغرض؛ كما تقول: جاء زيد لأمر كذا. ولا يخفى أن عَدَّ بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ... ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء. هذا بحسب العرف واللغة )
 هذه الجهة الأولى من مقصد الأوامر التي بحثها صاحب الكفاية ، وقد تناول فيها معاني لفظ الأمر. وفي الواقع إنه لا ينبغي النـزاع فيها
 إلا أنه لا بد من التعرض إلى بعض الأمور المبحوثة في المقام؛ لنبين ما هو الإنصاف.
 أولا: (الأوامر) جمع أمر، والأمر مصدر، والمصادر لا جمع لها، فكيف جُمِع هنا؟!
 ثم لو فرضنا صحة جمع المصادر، غير أن المعروف أن الثلاثي لا يُجمع على وزن (فواعل)، إلا إذا زيدت بعد الفاء ألف، أو واو؛ مثل: (خاتم) جمعها (خواتم)، و(جوهر) جمعها (جواهر).
 نعم يمكن تصحيح هذا الجمع على أنه جمع (آمرة)، أو باعتباره جمعا سماعيا؛ لوروده في كلام العرب، وليس هذا بالأمر العظيم.
 ثانيا: ذكر المصنف سبعة معان للفظ الأمر، وهي: الطلب، والشأن، والفعل العجيب، والشيء، والحادثة، والغرض.
 ولا يخفى أن هناك معاني أخرى لم يذكرها ؛ مثل القدرة في قوله تعالى: { مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ } كما أن هناك العديد من الموارد التي استعمل فيها لفظ (الأمر) في المصداق لا في المفهوم، وبالتالي ليس استعماله على نحو الاشتراك اللفظي، خصوصا وأنه يمكن إرجاع هذه المصاديق إلى شيء واحد ...