الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث الثالث عشر \ كلام الفصول في صفات الله
 المبحث الثالث عشر: كلام الفصول في صفات الله :
 قال صاحب الكفاية: ( لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما، وإن اتحدا عينا وخارجا، فصدق الصفات - مثل: العالم، والقادر، والرحيم، والكريم، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال - عليه تعالى، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته، يكون على الحقيقة، فإن المبدأ فيها وإن كان عين ذاته تعالى خارجا، إلا أنه غير ذاته تعالى مفهوم )
 هذا ما قاله صاحب الكفاية جوابا على ما ذكره صاحب الفصول ؛ حيث قال: ( يشترط في صدق المشتق على شيء حقيقة قيام مبدأ الاشتقاق به من دون واسطة في العروض إن كان صفة؛ ﮐ(الضارب) و(القاتل)، ... وأما إذا كان المبدأ ذاتا فلا يعتبر فيه القيام؛ كما في (البقال) و(الحداد)، ... وخالف في ذلك جماعة، فلم يعتبروا قيام المبدأ في صدق المشتق؛ واستدلوا بصدق (الضارب) و(المؤلِم) مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلَم ... وانتصر لهم بعض أفاضل المتأخرين بصدق (العالم) و(القادر) ونحوهما عليه تعالى، مع عينية صفاته تعالى، كما هو الحق، وبصدق الخالق عليه تعالى مع عدم قيام الخلق به. وكلا الوجهين ضعيف، أما الأول؛ فلأنه مشترك الورود؛ إذ الظاهر إطباق الفريقين على أن المبدأ لا بد أن يكون مغايرا لذي المبدأ، وإنما اختلفوا في وجوب قيامه به وعدمه، فالوجه التزام وقوع النقل في تلك الألفاظ بالنسبة إليه تعالى، ولهذا لا يصدق في حق غيره .. )
 هذا ما أورده صاحب الفصول في التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق؛ حيث ذكر أنه أجمع الفريقان على اشتراط التغاير الخارجي بين المبدأ وذيه في صحة الحمل، فإن لم يكن بينهما تغاير لم يصح حمل المشتق على الذات، أو وجب التأويل.
 وبناء عليه، يرد الإشكال على حمل صفات الله الذاتية؛ ﮐ(العالم) و(القادر) على ذاته المقدسة، بناء على ما ذهبت إليه الإمامية والحكماء
 فإن في المقام أقوال منها:
 الأول: أن صفاته زئدة على ذاته، لازمة لها، فهي قديمة بقدمها، وهذا قول الأشاعرة.
 الثاني: أنها زائدة على الذات وحادثة، وهذا ما نسب إلى الكرامية.
 الثالث: إن معنى اتصاف الذات بها كون الفعل الصادر منها فعل من تلبس بها؛ بمعنى كونها عالمة أنها تفعل فعل العالم في إتقانه وإحكامه؛ فالذات نائبة مناب الصفات. وهذا القول منسوب إلى المعتزلة.
 الرابع: إن صفاته عين ذاته، وكل منها عين الأخرى في الخارج؛ فهو عالم من حيث هو قادر، وقادر من حيث هو عالم، وهكذا ... وهذا قول الإمامية والحكماء، وهو الحق؛ لأنه لو كانت الصفات زائدة على ذاته للزم تركبه منها ومن ذاته، وبالتالي افتقاره إليها، وكل مفتقر إلى غيره ممكن، وهذا خلف ما ثبت من كونه واجب الوجود لذاته. ثم إنه لو كانت زائدة على الذات ولازمة لها في القدم، للزم تعدد القدماء، وهو خلف ما ثبت من كونه واحدا. وإذا كانت حادثة للزم أن يكون الواجب محلا للحوادث، وهو باطل؛ للزومه النقص عليه إذ لو كانت حادثة للزم خلوه منها في آن من الآنات، والخلو من الكمال نقص، وهي عليه محال. وتفصيل ذلك كله موكول إلى محله.
 إذًا، بناء على ما ذهبت إليه الإمامية والحكماء من أن صفات الباري عين ذاته، يلزم أن تكون مبادئ الذات المقدسة عينها، فلا يصح بالتالي حمل الصفات عليها؛ كما في قولنا: (الله عالم)، وقد أطبق الفريقان على اشتراط المغايرة بين المبدأ والذات.
 أجاب صاحب الفصول على هذا الإشكال بأن الصفات الذاتية المحمولة على الذات القدسة إنما هي مستعملة في معنى آخر، أو في معنى مجازي، ولكنه لم يوضح المراد من المعنى الآخر، ولم يبين ما هو المعنى المجازي.
 نقول:
 أولا: إن الإجماع المدعى من إطباق الفريقين على اشتراط التغاير الخارجي بين المبدأ والذات لصحة الحمل، غير ثابت من جهة، وهو إجماع منقول بخبر الواحد، فهو غير حجة.
 ثانيا: تقدم كفاية التغاير من جهة في صحة الحمل، وهذا حاصل في حمل صفاته على ذاته المقدسة؛ إذ إن التغاير المفهومي بين الذات والصفات ﮐ(العلم) و(القدرة) كاف، وإن كانت الذات متحدة معها خارجا.
 ولعل السر في ذهاب صاحب الفصول إلى لا بدية التغاير بين المبدأ والذات، هو نظره إلى الممكنات، فإن ذواتها مغايرة لمبادئ المشتقات المحمولة عليها؛ كما في قولنا: (زيد كاتب)، فزيد شيء والكتابة شيء آخر مغاير له، إلا أن ذلك لا يقاس على واجب الوجود لأن التغاير بين الذات والمبدأ بالنسبة للممكنات إنما حصل لأنهما من عالم الماهية، بينما الواجب وصفاته الذاتية لا ماهية لهما؛ لأن الماهية أمر زائد على وجود ذيها، وهي حد له، والحق بسيط، فلا شيء يزيد على وجوده، وما من شيء يحيطه ويحده، بل هو بكل شيء محيط.
 والخلاصة: إلى هنا أنه لا يشترط في صحة الحمل التغاير الخارجي بين المبدأ والذات، وإنما يكفي التغاير من جهة. وعليه، لا إشكال في حمل صفات الباري الذاتية على ذاته المقدسة، وإن كانا متحدين خارجا، لكفاية التغاير المفهومي بينهما.