الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث الثاني عاشر \ ملاك الحمل
 الفرق بين المصدر واسم المصدر من حيث الاشتقاق اللفظي والمعنوي
 لما كان المصدر واسم المصدر مبدئين، نذكر الفرق بينهما تتميما للبحث، فنقول: إن المصدر عبارة عن "ما دل على الحدث مع ملاحظة انتسابه إلى الفاعل"، بينما اسم المصدر عبارة عن "ما دل على الحدث مع عدم ملاحظة انتسابه إلى الفاعل".
 ثم إنهما قد يجتمعان في هيئة واحدة غالبا؛ كما في (الضَرْب)، فإنه مصدر واسم مصدر في آن واحد. وقد يختلفان، فتكون للمصدر هيئة؛ كما في (الغَسْل) و(التوضؤ)، وتكون لاسم المصدر هيئة أخرى وهي (الغُسْل) و(الوضوء).
 ولما كان الأمر كذلك؛ حيث لا يمكن التفريق بينهما من جهة الهيئة غالبا، كان المائز بينهما ما تبين من التعريف؛ فإن لوحظ انتساب الحدث إلى الفاعل فهو مصدر، وإلا فهو اسم مصدر.
 وأما ما هو معروف بين النحاة من أن مبدأ الاشتقاقات هو المصدر، في قبال من ذهب منهم إلى أنه الفعل، فهو في غير محله؛ والسر فيه أنه لا بد من كون مبدأ الاشتقاقات عاريا عن أية هيئة، حتى يمكن عروض هيئات المشتقات عليه، فلو كان المبدأ ذا هيئة، لما صح ذلك؛ لأن الهيئة لا تعرض على الهيئة، والحال أن المصدر واسم المصدر والفعل واسم الفاعل واسم المفعول وباقي المشتقات لا تصلح لتكون مبدأ اشتقاقيا؛ لأن جميعها ذوات هيئات، فهيئة المصدر (الغَسْل) هي (فَعْل)، وهيئة اسم المصدر (الغُسْل) هي (فُعْل)، وهيئة الفعل (غَسَلَ) هي (فَعَلَ)، وهكذا.
 فالإنصاف أن مبدأ الاشتقاقات هي المادة المعراة عن أية هيئة خاصة، فإنها قابلة لعروض هيئات المشتقات عليها، فمبدأ (الغَسْل) و(الغُسْل) و(غَسَلَ) و(غاسل) و(مغسول) ... هي: (الغين)، و(السين)، و(اللام).
 ثم إن المعروف أن جميع المشتقات اللفظية في عرض واحد من حيث اشتقاقها من المبدأ، فلا الفعل مثلا سابقا للمصدر ولا العكس، ولا المصدر سابقا لاسم المصدر، وهكذا؛ فإن جميعها مشتقة من المادة المعراة عن أية هيئة في عرض واحد.
 أما المشتقات المعنوية، فقد ذهب البعض إلى أن اسم المصدر سابق للمصدر؛ ذلك أن اسم المصدر عبارة عن الحدث بلا مؤنة زادة، فسبق بذلك المصدر الذي يلحظ فيه انتساب الحدث إلى فاعله.
 المبحث الثاني عشر: ملاك الحمل
 قال صاحب الكفاية: ( ملاك الحمل - كما أشرنا إليه - هو الهوهوية والاتحاد من وجه، والمغايرة من وجه آخر، كما يكون بين المشتقات والذوات، ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين، واعتبار كون مجموعهما - بما هو كذلك - واحدا، بل يكون لحاظ ذلك مخلا؛ لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية. ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات، بل لا يلحظ في طرفها إلا نفس معانيها، كما هو الحال في طرف المحمولات )
 هذا الكلام لصاحب الكفاية ، وهو رد على كلام صاحب الفصول الذي حاصله: إنه لو لم يكن اتحاد حقيقي بين الموضوع والمحمول، فلا بد في تصحيح الحمل من ملاحظة المحمول المركب على أنه أمر واحد؛ مثلا: في قولنا: (الإنسان جسم)، هنا إذا لاحظنا الإنسان مركبا من أمرين متباينين، وهما: النفس والبدن، لم يصح حمل (الجسم) عليه؛ للزومه حمل المباين على المباين؛ إذ النفس غير البدن.
 وعليه، لا بد في تصحيح الحمل من ملاحظة جزئي الإنسان على أنهما أمر واحد اعتبارا، وملاحظة (البدن) المحمول (لا بشرط)، من ثم حمله عليهما.
 جواب صاحب الكفاية:
 يقول:
 أولا: يكفي في صحة الحمل أن يكون بين الموضوع والمحمول جهة اتحاد؛ حتى لا يلزم حمل المباين على المباين، وجهة مغايرة؛ حتى لا يلزم حمل الشيء على نفسه. وعليه، لا داعي لملاحظة الموضوع المركب على أنه أمر واحد اعتبارا، بل هذا الاعتبار مضر بالحمل؛ لأن لازمه أن يكون المورد من موارد حمل الجزء على الكل؛ كحمل (اليد) على (الإنسان)، وهو باطل، فإن لازم اعتبار البدن والنفس أمرا واحدا، عدم صحة حمل الجسم على الإنسان؛ لأنه يصير من حمل الجزء على الكل.
 ثانيا: إن الوجدان العرفي قاض بأن الموضوع في مثل: (الإنسان حيوان ناطق)، أو (الإنسان كاتب)، هو ذات الإنسان البسيطة دون اعتبار كونها أمرا واحدا متولدا من اعتبار الحيوانية والناطقية أمرا واحدا، فالوجدان دليل واضح على عدم اعتبار المتباينين أمرا واحدا.
 وفيه: إن صاحب الفصول قد قال بملاحظة التركيب في الموضوع إذا لم يكن بين الموضوع والمحمول اتحاد خارجي، فإذا كان بينهما اتحاد خارجي كما في (الإنسان حيوان ناطق)، فلا يلحظ التركيب. وعليه، لا يرد ملاحظة العرف للموضوع بسيطا في صورة الاتحاد الخارجي.
 أما في صورة التركيب الانضمامي، فكلام صاحب الفصول في محله؛ لأن إرادة حمل الجسم على الإنسان المركب من البدن والنفس، تستلزم ملاحظة البدن والنفس على أنه شيء واحد اعتبارا، وإلا لزم حمل المباين على المباين، وهو محال.