الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث السابع
 المبحث السابع: كون المشتق حقيقة في الأخص أو الأعم ثبوتا
 قال صاحب الكفاية: ( فإذا عرفت ما تلونا عليك، فاعلم أن الأقوال في المسألة وإن كثرت، إلا أنها حدثت بين المتأخرين، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدمين؛ لأجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال، وقد مرت الإشارة إلى أنه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار، وهو اعتبار التلبس في الحال، وفاقا لمتأخري الأصحاب والأشاعرة، وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة )
 يذكر صاحب الكفاية أن الأقوال في مسألة كون المشتق موضوعا للأخص أو الأعم، إنما كانت منحصرة لدى المتقدمين في كونه موضوعا لخصوص المتلبس بالمبدأ أو الأعم منه وممن انقضى عنه، وإنما تكثرت لدى المتأخرين، فصارت ستة:
 الأول: فقول على أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ.
 الثاني: وقول على أنه موضوع للأعم.
 الثالث: وقول فرّق بين اسم الفاعل واسم المفعول، فذهب إلى أن الأول موضوع لخصوص المتلبس، والآخر للأعم.
 الرابع: وقول فرّق بين المبادئ الفعلية، وما كانت من قبيل الصنعة والقوة والملكة، فذهب إلى أن الأولى موضوعة لخصوص المتلبس، والثانية للأعم.
 الخامس: وقول فرّق بين المتعدي وغيره، فذهب إلى أن الأول موضوع للأعم، والثاني لخصوص المتلبس.
 السادس: وقول فرّق بين ما لو كان للمبدأ ضد أو لا، فذهب إلى أن الأول موضوع لخصوص المتلبس، والثاني للأعم.
 ثم يذكر أن منشأ هذا التكثر راجع إلى اختلاف المبادئ طولا وقصرا، ولكننا أشرنا في المبحث الرابع المتقدم أن كلامنا في وضع الهيئات لا في المبادئ، واختلاف المبادئ لا يوجب اختلافا في الهيئة. وعليه، فالمسألة واقعة - كما ذهب المتقدمون - بين قولين هما: هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس في الحال، أم للأعم.
 وبعد بيان هذه المقدمة، باشر في بيان الأدلة الإثباتية على مختاره من أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس في الحال، ولكن الأجدر قبل ذلك أن نتطرق إلى إمكانية تصوير جامع للأعم ثبوتا، فإنه مع انتفاء ذلك يتعين القول بأن الوضع لخصوص المتلبس، فلا نحتاج حينئذ إلى البحث في مقام الإثبات.
 تصوير الجامع:
 ذهبت جماعة من الأعلام ومنهم الميرزا النائيني بدوًا إلى أن وضع المشتق متفرعٌ على بساطته وتركيبه، فلو أنه معنى بسيط، لما أمكن تصوير جامع؛ وهذا يلزمه القول بأنه موضوع لخصوص المتلبس، ولو أنه معنى مركب، لأمكن تصوير الجامع، وهذا يلزمه القول بالأعم. وتوضيح الملازمتين:
 إن المشتق عبارة عن (المبدأ لا بشرط)، فمحور القول بالبساطة كون المبدأ (لا بشرط). وعليه، إذا زال المبدأ زال عنوان المشتق، ومن هنا كان القول بالبساطة ملازم للقول بالوضع لخصوص المتلبس.
 أما إذا قلنا بالتركيب، فيكون المشتق مركبا من ذات ومبدأ، فيكون معنى المشتق هو المبدأ المنتسب إلى الذات، ومن هنا كان القول بالتركيب ملازما للقول بالأعم.
 هذا ما ذهب إليه الميرزا بدوًا، ولكنه عدل بعد ذلك إلى القول بأن المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ سواء كان معنى بسيطا أم مركبا؛ ودليله:
 أما على القول بالبساطة، فواضح؛ إذ إن معنى المشتق حينئذ هو (المبدأ لا بشرط)، فإذا زال المبدأ كالقيام مثلا، زال المشتق وهو القائم.
 ولا يقال: إن كانت الذات تزول بزوال المبدأ، فيكون المشتق البسيط حينئذ أسوأ حالا من العناوين الذاتية التي تبقى فيها الهيولى وإن زالت صورتها النوعية؟ لأن المتلبس بالمبدأ، وهي الذات، باقية، كل ما هنالك أن الذات لم تؤخذ جزءا من معنى المشتق.
 أما على القول بالتركيب، فلكي يكون المشتق موضوعا للأعم، نحتاج إلى تصوير جامع يشمل الفردين؛ أي الذات المتلبسة بالمبدأ، ومن انقضى عنها التلبس، وما من جامع كذلك، فيتعين القول بالوضع للأخص.
 هذا ما اختاره الميرزا في نهاية مطافه
 ولكن البعض: حاول تصوير جامع للأعم؛ حيث قال: إن لفظ المشتق موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ في زمن ما، و(زمن ما) يشمل الأزمنة الثلاثة.
 جوابه: سبق أن أثبتنا أن الزمن ليس جزءا من المشتق، وعليه يكون هذا التصوير للجامع في غير محله.
 أما السيد الخوئي: فقد ذكر وجهين لتصوير جامع، بناء على القول بأن المشتق مركب:
 الوجه الأول: قال: صحيح لا يوجد عنوان ذاتي ماهوي يشمل فردي المشتق، ولكن لدينا عنوانا انتزاعيا، وهو عنوان (أحدهما)، فهو ينطبق على المتلبس بالمبدأ، ومن انقضى عنه.
 وجوابه: هذا العنوان وإن كان ممكنا عقلا، إلا أنه غير مقبول عرفا من جهة، ومن جهة أخرى إن معنى (أحدهما) هو (البدل)، فإذا قلت: (أكرم العالم)، فيكون المعنى: (أكرم أحدهما)، وهذا عنوان بدلي، فلا يبقى حينئذ الشمول للمتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه.
 الوجه الثاني: أن يكون الجامع هو (الذات التي فيها مبدأ خرج من العدم إلى الوجود)؛ أي عدم المبدأ المنتقِض بالوجود والمنتسب إلى الذات، سواء كان وجوده مستمرا أم منقضيا.
 وجوابه: هذا العنوان كالأول غير مقبول عرفا، وبعيد عن فهمهم من جهة؛ إذ لا يقبل العرف أن (القائم) مثلا هو (خروج القيام من العدم إلى الوجود)، ومن جهة أخرى (المنتقِض) اسم فاعل مشتق، فنسأل: هل هو موضوع لعدم المبدأ المنتقض بالوجود المنتهي، أم المنتقض بالوجود المستمر؟ وهذا نفسه يحتاج إلى جامع، فما هو؟
 والخلاصة إلى هنا: إن المشتق سواء كان معنى بسيطا أم مركبا، فهو موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ؛ وذلك لعدم إمكان تصوير جامع للأعم، وهذا يغنينا عن البحث في مقام الإثبات عن الأدلة المثبتة لذلك، ولكننا سنتطرق في البحث التالي إلى الأدلة تمشيا مع القوم.