الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث السادس: عدم أصل لفظي وعملي في مسألة المشتق
 مسألة: عدم تداخل البحث الأصولي مع البحث المنطقي:
 حاصل هذه المسألة أنه قد يتوهم تداخل كل من البحث الأصولي والمنطقي بالنسبة للمشتق، والحال عدم تداخلهما؛ ذلك أننا في الأصول نبحث عن كون المشتق هل هو موضوع لخصوص الذات المتلبسة بالمبدأ، أم للأعم من المتلبسة به ومن انقضى عنها؟
 أما في المنطق، فإن البحث عن كون الوصف العنواني للموضوع هل يكفي فيه إمكان الاتصاف، أم الاتصاف الفعلي؟ أي هل يكفي أن تكون الذات متصفة بالمبدأ بالقوة، بأن يكون لها القابلية والاستعداد للاتصاف به، أم يشترط اتصافها به فعلا؟
 وتوضيحه: في مثل قولك: (كل كاتب متحرك الأصابع)، أما في الأصول، فيبحث عن أنه هل المراد بالكاتب خصوص الذات المتلبسة بمبدأ الكتابة، أم الأعم منها ومن التي انقضى عنها المبدأ؟ بينما في المنطق يبحث عن أنه هل يشترط في صحة الحمل على الموضوع أن يكون عقد الوضع؛ أي الوصف العنواني للموضوع، ثابتا بالفعل أم لا؟
 المبحث السادس: عدم أصل لفظي وعملي في مسألة المشتق
 قال صاحب الكفاية: ( سادسها: إنه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوَّل عليه عند الشك، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له، وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة، فممنوع؛ لمنع الغلبة أولا، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانيا )
 يبحث هنا عن أنه لو فرضنا أن لا دليل على كون المشتق موضوعا لخصوص الذات المتلبسة بالمبدأ، أم للأعم، فهل ثمة أصل لفظي على تعيين أحدهما حين الشك؟ وإنما عرفنا أنه يريد خصوص الأصل اللفظي هنا؛ لتفريعه بعد ذلك على الأصل العملي.
 فإن ادعي: أن المراد من الأصل أصالة عدم ملاحظة خصوصية التلبس؛ حيث إن الواضع حينما يضع لفظا مشتقا لمعنى من المعاني، فالأصل عدم ملاحظته لخصوصية التلبس،
 قلنا:
 أولا: هذا الأصل المدعى معارض بأصل عدم ملاحظة الأعم أيضا.
 
 ثانيا: إنما تجري الأصول العقلائية في حالات الشك في المراد؛ كما لو أتى متكلم بلفظ عام، فشككنا هل مراده العموم أم لا، ولا تجري في حالات الشك في الإرادة؛ كما لو قال أحد: (رأيت أسدا في الحمام)، وعلمنا أن مراده الرجل الشجاع، ولكننا شككنا هل إرادته للشجاع حقيقة أم مجاز؟ وهذا من ذاك؛ فإن الشك في أن الواضع هل يلحظ خصوصية التلبس حين الوضع أم لا، شك في الإرادة لا في المراد.
 وإن كان المراد من الأصل هو الاستصحاب: أي استصحاب عدم ملاحظة خصوصية التلبس
 فأولا: هو غير جار هنا؛ إذ لا أثر شرعي من جريانه، وإنما أثره إثبات ضده، وهو أن المشتق موضوع للأعم، وهذا لازم عقلي وأصل مُثبِت، فلا يُثبِت.
 وثانيا: هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم ملاحظة الأعم.
 والكلام نفسه فيما لو ادعي أن الاستصحاب هو استصحاب عدم ملاحظة الأعم، فإنه غير جار لأنه أصل مثبت من جهة، ومعارض باستصحاب عدم ملاحظة خصوص التلبس من جهة أخرى.
 وإن قيل: إن الشك في الوضع لخصوص المتلبس أو الأعم مرجعه إلى الشك بين المجاز والاشتراك المعنوي؛ باعتبار أنه لو كان الوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ، لكان استعمال المشتق في الأعم مجازا، بينما لو كان الوضع للأعم من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس، لكان اشتراك معنويا؛ إذ يكون المشتق موضوعا للمعنيين. وعليه، فإن كان الأمر يدور بين المجاز والاشتراك المعنوي، فيقدم الاشتراك المعنوي لأنه الغالب.
 قلنا:
 أولا: هذه الغلبة لم تثبت، بل لعل الثابت هو غلبة المجاز على الاشتراك المعنوي، وليس العكس.
 ثانيا: لو سلمنا بالغلبة، ولكن لا دليل على الترجيح بها، فإن قيل: هو إفادتها للظن، قلنا: ليس الظن حجة إلا في الموارد التي نص على حجيتها، وهذا ليس منها.
 والخلاصة أنه ما من أصل لفظي على تعيين أحدهما حال الشك.
 ثم قال: ( وأما الأصل العملي، فيختلف في الموارد، فأصالة البراءة في مثل (أكرم كل عالم) يقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى عنه المبدأ قبل الإيجاب، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الإيجاب قبل الانقضاء )
 بعد بيان أنه لا دليل لفظي على تعيين أحدهما حال الشك، نسأل: هل من أصل عملي على التعيين؟
 يقول صاحب الكفاية أن الموارد تختلف؛ ففي قولك: (أكرم كل عالم)، إن كان زيد عالما، ثم انقضى عنه المبدأ قبل إيجاب الإكرام، فشككنا بأنه هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس، فلا يجب حينئذ إكرامه بعد الانقضاء، أم موضوع للأعم، فيجب إكرامه؟ هنا الشك يرجع إلى الشك في أصل التكليف، فتجري أصالة البراءة بلا إشكال.
 
 أما لو فرضنا أن الانقضاء حصل بعد الإيجاب ولكن قبل الامتثال، فهنا لا يكون الشك في أصل التكليف، وإنما الشك في سعته وضيقه، فهل يبقى لما بعد الانقضاء أم لا؟ فنستصحب الوجوب.
 والإنصاف أنه لا فرق بين الموردين، وإنما تجري البراءة في كليهما؛ أما في الأول، فجريان البراءة واضح، وأما في الثاني، فعلى مبنانا لا يجري الاستصحاب؛ لأنه استصحاب للحكم الكلي، وهو معارض باستصحاب عدم الجعل، فتجري البراءة أيضا.
 وأما على مبنى المشهور من جريانه، فهو غير جار هنا أيضا؛ لأنه إنما يجري لديهم استصحاب الحكم الكلي إذا كان مفهوم موضوع الحكم واضحا؛ كمفهوم الحيض، فإنه عبارة عن انقطاع الدم، فلو شككنا بجواز الوطء بعده وقبل الغسل، نستصحب عدم جواز الوطء، بناء على جريان استصحاب الحكم الكلي.
 أما لو لم يكن المفهوم واضحا فلا يجري الاستصحاب لديهم؛ كما لو علم الصائم بسقوط القرص وبقاء الحمرة المشرقية، والحال أننا لا نعلم هل النهار ينتهي بسقوط القرص أم بغياب الحمرة؟ هنا لا يمكن استصحاب حكم وجوب الصوم؛ لأننا لم نحرز بقاء موضوعه في القضية المتيقنة والمشكوكة، وهو (النهار)، فنرجع إلى أصالة البراءة.
 وإن قيل: لمَ لا نستصحب الموضوع نفسه؟ قلنا: إنما يجري الاستصحاب حال الشك، ولا شك لدينا فيما يتعلق بالموضوع؛ لأننا نقطع بسقوط القرص، كما نقطع ببقاء الحمرة المشرقية، وإنما نشك في مفهوم النهار لا غير.
 نرجع إلى مثالنا، فإن استصحاب حكم وجوب إكرام زيد بعد انقضاء العالمية عنه قبل الامتثال، لا يمكن جريانه؛ لأننا لم نحرز بقاء موضوعه؛ إذ إننا نشك هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس؛ فيكون الموضوع باقيا، أم أنه موضوع للأعم، فلا يكون كذلك؟
 وأما استصحاب موضوع الوجوب، وهو عالمية زيد، فغير ممكن أيضا، لأن الفرض أنه غير مشكوك، فإننا نعلم بعالميته بعد الإيجاب، ونعلم بانقضائها قبل الامتثال. وعليه، لا يجري الاستصحاب على مبنانا ومبنى المشهور، وإنما تجري البراءة