الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \مفهوم المشتق
 الدليل الثاني:
 إن عنوان أمومة الزوجة في الآية المباركة {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} عنوان مضاف، والإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة لبقاء عنوانها وبالتالي ترتب الحكم عليها، وعليه، يكفي تلبس الصغيرة بالزوجية قبل تحقق الرضاع، لتدخل المرضعة الأولى في عنوان التحريم في الآية بعد تحققه.
 الجواب: إنا لا نسلم بأنه يكفي في الإضافة أدنى ملابسة لترتب الحكم عليها، وإنما يشترط في الإضافة ما يشترط في المشتق، وهو أن يكون العنوان فعليا. وعليه، بعد تحقق الرضاع الكامل ينتفي المبدأ في الإضافة، فلا تدخل المرضعة الأولى في عنوان التحريم في الآية المباركة.
 الدليل الثالث:
 أنه كما لا يشترط في عنوان الربيبة المحرمة في الآية المباركة { وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ } أن تكون الأم زوجة فعلا؛ حيث تحرم الربيبة على من كان زوجا لأمها، كذلك لا يشترط في حرمة المرضعة أن تكون المرتضعة زوجة فعلا، بل يكفي أن ترضع من كانت زوجة.
 وفيه: إنما استفدنا أن الربيبة تحرم على زوج أمها مطلقا؛ أي سواء كان زوجا فعلا أم لا، من الروايات وليس من القرآن الكريم، وبالتالي فقياس الربيبة على المرضعة قياس مع الفارق، فضلا عن كون الدلالة السياقية للآية ضعيفة.
 الدليل الرابع:
 رواية علي بن مهزيار، عن أبي جعفر ع قال: ( قيل له: إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته، ثم أرضعتها امرأة له أخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقال أبو جعفر ع : أخطأ ابن شبرمة، تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا، فأما الأخيرة فلم تحرم عليه، كأنها أرضعت ابنته ) [1]
 
 وفيه: لا إشكال في صريح دلالة الرواية على حرمة المرضعة الأولى، إلا أنها ضعيفة سندا لعدم توثيق صالح بن أبي حماد من جهة، ولاحتمال كونها مرسلة من جهة أخرى؛ لقرائن ثلاثة:
 أولا: إن إطلاق (أبي جعفر) يقتضي أن يكون المراد منه الإمام الباقر ع ، خصوصا وأن ابن شبرمة معاصرا له، والحال أن ابن مهزيار لم يكن معاصرا له، وإنما عاصر كلا من الإمام الرضا والجواد والهادي ، وقيل العسكري والحجة ، فتكون الرواية مرسلة لسقوط الواسطة بين ابن مهزيار والإمام الباقر .
 ثانيا: قول ابن مهزيار "قيل" يدل على وجود واسطة بينه وبين الإمام، ولكن الإنصاف أنه قد يكون القائل حاضرا، إلا أن ابن مهزيار لم يرد التصريح باسمه.
 ثالثا: روى كل من الشيخ الكليني والشيخ الطوسي في الكافي والتهذيب الرواية عن علي بن مهزيار بروايته عن أبي جعفر ع ، وهذا قرينة ثالثة على وجود واسطة بينه وبين الإمام .
 وعليه، لا يمكن العمل بهذه الرواية لضعفها واحتمال إرسالها. وإن قيل: إن ضعف السند مجبور بعمل الأصحاب، قلنا: إن قطعنا النظر عن الكبرى؛ حيث إننا لا نسلم بها، إلا أن الأصحاب لم يعملوا بها أصلا، بل أفتوا بحرمة كلتا المرضعتين.
 والخلاصة إلى هنا أن هذه الأدلة الأربعة على حرمة المرضعة الأولى لم يكتب لها التوفيق، فالإنصاف أن الدليل الوحيد على حرمتها هو التسالم المورث للقطع.
 هذا بالنسبة للمرضعة الأولى، أما المرضعة الثانية، فقد وقع الخلاف حول حرمتها، فالقائلون بأن المشتق موضوع للأعم، أدخلها تحت عنوان {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ}؛ حيث يصدق على الثانية كما الأولى أنها أم للزوجة، فتحرم من هذا الباب. ولكن بما أن الإنصاف أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ فعلا، وأن إطلاقه على من انقضى عنه مجازٌ، فلا تكون المرضعة الثانية داخلة في عنوان التحريم في الآية المباركة، وعليه لا دليل على حرمة المرضعة الثانية، وتؤيد رواية ابن مهزيار ذلك.
 هذا كله إن كان الزوج قد دخل في كل من المرضعتين، أما لو لم يدخل بأي منهما؛ حيث تكون الصغيرة ربيبة له لا ابنة، فبما أنه لا يجوز الجمع بين الربيبة وأمها، فإن أرضعت إحداهما الصغيرة، فلا بد من انفساح أحد العقدين، والمعروف أنه ينفسخ عقد الصغيرة، وهذا ما لا دليل عليه ......
 وهكذا فإن خلاصة الأمر الأول أن المراد من المشتق أصوليا ما يصح حمله على الذات، سواء كان مشتقا نحويا أم جامدا.
 


[1] - وسائل الشيعة باب 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ج20، ص402، ح1.