الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

  الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \مفهوم المشتق
 كان الكلام فيما ذكره الميرزا النائيني ، وهو أن العناوين الذاتية بقسميها؛ أي الذاتية في باب البرهان: وهي المحمولة الخارجة عن ذات الموضوع اللازمة له؛ كالزوجية بالنسبة للعدد أربعة، والإمكان بالنسبة لغير واجب الوجوب لذاته، والذاتية في باب الكليات: وهي أجزاء الماهية المقوِّمة لها؛ كالحيوانية والناطقية بالنسبة للإنسان، لا يجري فيها النزاع؛ لأن انتفاء العناوين الذاتية يلزمه انتفاء الذات، فلا يبقى ما يُتنازع عليه من أن حمل المشتق عليه حقيقي أم مجازي.
 وفيه: إن العناوين الذاتية إن كانت جامدة غير مشتقة من شيء؛ كالإنسان والحيوان والحجر، بما أن لها وضعا واحدا؛ حيث لا يقال فيها أن المادة موضوعة لمعنى والهيئة موضوعة لمعنى آخر، لا يجري فيها النزاع؛ لأن انتفاءها يلزمه انتفاء الذات دائما.
 وإن كانت العناوين الذاتية اشتقاقية؛ كالممكن، فلما كان لها وضعان؛ وضع لمادة (الإمكان)، وآخر لهيئة (ممكن)، وكان بحثنا عن خصوص الهيئة لمن هي موضوعة، فلا يلزم من عدم جريان النزاع في بعض أفراد هذه الهيئة ﮐ(ممكن)، أن لا يكون جاريا في أفراد أخرى ﮐ(مقيم)؛ لأن انتقاء المبدأ عن ذات المقيم لا يلزمه انتفاء الذات نفسها.
 وعليه، كل هيئة يكون بعض أفرادها داخلا في محل النزاع، وبعضها خارجا عنه، تكون داخلة فيه.
 ثم يقول صاحب الكفاية: ( ثم إنه لا يبعد أن يراد بالمشتق في محل النزاع، مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا عنها، بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضي ولو كان جامدا )
 ويذكر شاهدا على دخول الجوامد الجارية على الذات في محل النزاع، وهي مسألة الرضاع. قال العلامة في القواعد: ( ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على التعاقب، فالأقرب تحريم الجميع؛ لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته إن كان قد دخل بإحدى الكبيرتين، وإلا حرمت الكبيرتان مؤبدا، وانفسخ عقد الصغيرة ) [1] .
 وقال فخر المحققين في الإيضاح: ( أقول: تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بإحدى الكبيرتين بالإجماع، وأما المرضعة الأخيرة ففي تحريمها خلاف، واختار والدي المصنف، وابن إدريس تحريمها؛ لأن هذه يصدق عليها أنها أم زوجته؛ لأنه لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه فكذا هنا ) [2]
 توضيح المسألة: لو أن شخصا تزوج من ثلاث نساء، اثنتين كبيرتين، وواحدة صغيرة دون السنتين، ثم أرضعت إحدى الزوجتين الكبيرتين الزوجة الصغرى رضاعا كاملا، فهل تحرم كل الزوجات على الزوج، أم بعضها؟
 أما الصغيرة، فلا إشكال في حرمتها على الزوج؛ لأنه لا يخلو إما أن رضاعها من الكبيرة كان من لبن الزوج، فتصبح ابنته بالرضاعة، فتحرم عليه بذلك، وإما أن رضاعها من غير لبن الزوج؛ كما لو تزوجها مرضعة، فتصبح الصغيرة حينئذ ربيبته، فتحرم بذلك.
 وأما الكبيرة المرضعة، فبناء على أن المشتق موضوع للأعم ممن تلبس بالمبدأ وانقضى عنه، فتحرم على الزوج؛ لبقاء الصغيرة متلبسة بمبدأ الزوجية بعد تحقق الرضاع الكامل، وعليه تدخل المرضعة في عنوان التحريم المنصوص في القرآن الكريم { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } وبناء على أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ، فبعد تحقق الرضاع الكامل ينتفي عنوان الزوجية عن الصغيرة، وبالتالي لا تكون المرضعة داخلة في العنوان المتقدم، فلا تحرم على الزوج.
 وهكذا يظهر أن عنوان (الزوجة) وإن كان جامدا، وليس مشتقا بالمعنى النحوي، إلا أنه داخل في محل النزاع.
 ثم إن بعضهم قال أنه صحيح بناء على أن المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ يكون عنوان الأمومة مرتفعا عند ارتفاع عنوان الزوجية، وبالتالي لا يجتمعان في وقت واحد لتدخل المرضعة تحت عنوان }وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ{، ولكن هذا الكلام بحسب الدقة العقلية، إلا أن العرف يرى اجتماعهما، وعليه يلزم التحريم.
 جوابه: إنما يُرجع إلى العرف في خصوص تحديد المفاهيم وإذا لم تكن محددة شرعا، ولا يرجع إليه في تطبيق المفاهيم على مصاديقها، وإنما يرجع للعقل؛ ذلك أن العرف يتساهل في التطبيق، فيجعل ما ليس بمصداق لمفهوم واقعا مصداقا له تساهلا منه؛ كما في مسافة التقصير، فإنه لو سافر المكلف ثمانية فراسخ إلا شبرا لنزلها العرف منزلة الثمانية تسامحا منه وتساهلا، بينما العقل ينفي تحقق المسافة، وبالتالي يوجب الإتمام في هذا الفرض. وعليه، فما قيل من كفاية الاجتماع العرفي لعنوان الأمومة والزوجية في غير محله.
 


[1] - قواعد الأحكام ج3، ص25.
[2] - إيضاح الفوائد ج3، ص52.