الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوعم: الأصول\ مقدمة \ الأمر الحادي عشر \ الاشتراك اللفظي \وجوب الاشتراك
 المبحث الثالث: دليل وجوب الاشتراك اللفظي
 قال صاحب الكفاية: ( وربما توهم وجوب وقوع الاشتراك في اللغات؛ لأجل عدم تناهي المعاني، وتناهي الألفاظ المركبات، فلا بد من الاشتراك فيها، وهو فاسد لوضوح امتناع الاشتراك في هذه المعاني؛ لاستدعائه الأوضاع الغير المتناهية، ولو سلم لم يكد يجدي إلا في مقدار متناه، مضافا إلى تناهي المعاني الكلية، وجزئياتها وإن كانت غير متناهية، إلا أن وضع الألفاظ بإزاء كلياتها، يغني عن وضع لفظ بإزائها، كما لا يخفى، مع أن المجاز باب واسع، فافهم )
 استدل القائلون بوجوب الاشتراك اللفظي، بأنه لما كانت المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية لتركبها من الحروف المحدودة، والمركب من المحدود محدود، لم تكن الألفاظ متسعة للمعاني، فوجب الاشتراك لاستيعاب المعاني غير المتناهية عرفًا عن طريق جعل لفظ واحد لأكثر من معنى.
 هذا الدليل في الواقع لم يكتب له التوفيق، وقد أورد صاحب الكفاية عليه إشكالات أربعة:
 الإشكال الأول:
 إن المعاني غير المتناهية تستدعي أوضاعا غير متناهية؛ لفرض أننا وضعنا لفظا لكل معنى، فإذا تعددت المعاني تعددت معها الأوضاع، وهو محال؛ لأنه لما كانت الأوضاع واقعة في زمن متناه، لزم أن تكون متناهية.
 ويرد عليه
 أولا: لا نسلم بأن الألفاظ متناهية خلافا للمعاني، بل هي أيضا غير متناهية عرفا.
 ثانيا: لو سلمنا بأن الألفاظ متناهية، والمعاني غير متناهية، ولكننا لا نسلم بأن الأوضاع غير متناهية؛ لإمكان أن يكون الوضع من قبيل الوضع العام والموضوع له الخاص، فلا نحتاج إلى القول بأن الأوضاع غير متناهية إن كانت المعاني غير متناهية.
 الإشكال الثاني:
 لو فرضنا أن الواضع هو الحق سبحانه، وهو غير متناه، فأمكن أن يكون الوضع غير متناه أيضا، إلا أنه لما كان المستعملون متناهين، وهم البشر، فيكون الاستعمال متناهيا، والزائد عن المتناهي لغوا، وهو عليه تعالى محال.
 الإشكال الثالث:
 لو فرضنا أن المعاني الجزئية غير متناهية، ولكن المعاني الكلية متناهية، فيمكن أن نضع الألفاظ للمعاني الكلية، ثم نستعمل أفراد هذا اللفظ في أفراد هذا المعنى الكلي، فينتفي وجوب الاشتراك.
 ويرد عليه
 أولا: المعنى الكلي الذي وضع اللفظ بإزائه له مراتب، فإن كان المراد هو المرتبة الأعلى منه؛ كمعنى (الشيء)، فلا يحصل غرض التفهيم منه، وإن كان المراد المراتب الأدنى، فهي أيضا معان كلية غير متناهية.
 ثانيا: إن الغرض قد يتعلق بالجزئيات، فنحتاج إلى أوضاع لمعانيها غير المتناهية.
 الإشكال الرابع:
 لا حاجة إلى إبطال وجوب الاشتراك اللفظي؛ حيث نستطيع أن نستعمل اللفظ الموضوع لمعنى في المعاني الأخرى مجازا، وباب المجاز يتسع لذلك.
 وقد أجاب البعض على هذا الإشكال بأن المجاز يحتاج إلى قرينتين: قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي، وقرينة معيِّنة للمعنى المجازي، والقرائن غالبا ما تكون لفظية، فنكون قد احتجنا إلى لفظ جديد يمكن وضعه مباشرة للمعنى المراد تفهيمه من دون توسط قرينة.
 هذا تمام ما أورده صاحب الكفاية على دليل وجوب الاشتراك. ويبقى إشكال خامس مفاده أنه مع التسليم بأن الألفاظ غير متناهية، بينما المعاني متناهية، إلا أنه لدينا العديد من الألفاظ المهملة غير الموضوعة؛ حيث يمكن الاستفادة منها ووضعها لمعان دون أن نُلجأ إلى الاشتراك.
 المبحث الرابع: كيفية الاشتراك اللفظي
 بعد إثبات كون الاشتراك اللفظي ممكنا بل واقعا، ونفي استحالته ووجوبه، لا بد من الإشارة إلى كيفية حصول الاشتراك. والإنصاف أنه حصل بالوضع التعييني؛ بأن يضع الواضع اللفظ لمعنى أولا، ثم يضعه لمعنى آخر ثانيا، أو بالوضع التعيّني؛ حيث ينشأ الاشتراك بكثرة استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
 أما ما نقله المحقق النائيني من أن منشأ الاشتراك ضم لغات القبائل التي كانت كل منها تستعمل اللفظ في معنى واحد مختلف عن المعنى الذي تستعمله فيه الأخرى، فهو وإن كان ممكنا في نفسه، إلا أنه لا دليل عليه من جهة، ومن جهة أخرى، لو سلمنا بحصول ذلك في بعض الألفاظ، ولكن لا نستطيع الجزم بحصول ذلك في جميعها.