الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ اسماء المعاملات
 المبحث الرابع: صحة التمسك بإطلاق ألفاظ المعاملات
 قال صاحب الكفاية: ( الثاني: إن كون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيحة، لا يوجب إجمالها، كألفاظ العبادات، كي لا يصح التمسك بإطلاقها عند الشك في اعتبار شيء في تأثيرها شرعا؛ وذلك لأن إطلاقها - لو كان مسوقا في مقام البيان - ينزل على أن المؤثر عند الشارع، هو المؤثر عند أهل العرف، ولم يعتبر في تأثيره عنده. غير ما اعتبر فيه عندهم ).
 مر في كلامنا عن ثمرة النزاع بين القول بالصحيح والقول بالأعم أن الصحيحي لا يمكنه التمسك بإطلاق ألفاظ العبادات إذا شك باعتبار جزء أو شرط فيها؛ وذلك لعدم إحرازه عنوان العبادة؛ حيث يحتمل أن يكون المشكوك داخلا في ماهيته، ولكن الأمر مختلف بالنسبة للمعاملات؛ لأنها ليست مخترعات شرعية، وإنما هي معان عرفية أمضاها الشارع، فكانت حقيقتها العرفية والشرعية واحدة.
 وبالتالي ما يصدق عليه أنه (بيع) عرفا، يكون بيعا شرعا، فلو شككنا في اعتبار العربية أو الماضوية أو التلفظ في البيع بعد فرض الصدق العرفي على عنوان البيع بالصيغة غير العربية، وغير الماضوية، وبالمعاطاة، يمكن التمسك بإطلاقات أدلة البيع لنفي اعتبار ذلك.
 نعم، إن كان الشك راجعا إلى اعتبار أمر عرفي، بحيث لا يكون عنوان المعاملة محرَزا معه، هنا لا يمكن للصحيحي التمسك بالإطلاق؛ وذلك كما لو شككنا في صدق عنوان البيع مع كون المثمن لا مالية له، وفرضنا أن حقيقة البيع مبادلة مال بمال، فهنا لا يمكن للقائل بالصحيح التمسك بالإطلاق؛ لعدم إحراز العنوان، خلافا لما إذا كان الشك في اعتبار أمر شرعي.
 أما الأعمي، فلا إشكال في إمكانية تمسكه بالإطلاق، سواء كان الشك راجعا إلى اعتبار أمر عرفي أم شرعي؛ ذلك أن عنوان الأعم محرز لديه على كل حال.
 المبحث الخامس: أنحاء الداخل في المأمور به وعلاقته بالصحيح والأعم
 قال صاحب الكفاية: ( الثالث: إن دخل شيء وجودي أو عدمي في المأمور به: تارة: بأن يكون داخلا فيما يأتلف منه ومن غيره، وجعل جملته متعلَّقا للأمر، فيكون جزءًا له وداخلا في قوامه. وأخرى: بأن يكون خارجا عنه، لكنه كان مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه بدونه؛ كما إذا أخذ شيء مسبوقا أو ملحوقا به أو مقارنا له، متعلَّقا للأمر، فيكون من مقدماته لا مقوماته. وثالثة: بأن يكون مما يتشخص به المأمور به؛ بحيث يصدق على المتشخِّص به عنوانه، وربما يحصل له بسببه مزية أو نقيصة، ودخل هذا فيه أيضا، طورا بنحو الشطرية وآخر بنحو الشرطية ).
 حاصل هذا الأمر أن ما يدخل في المأمور به وجودا وعدما على أنحاء:
 أولا: ما يكون داخلا في حقيقة ماهية المأمور به ومقوِّما لها، وهي الأجزاء الداخلة قيدا وتقيدا؛ كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة، وهي أمور وجودية.
 أما كيف يدخل أمر عدمي في الماهية؟ فقد يكون المراد على ما يبدو (عدم المانع)؛ كعدم القهقهة بالنسبة إل الصلاة، إلا أن عدم المانع لا دخالة له في مصلحة المأمور به، كل ما في الأمر أن وجوده مفسد له.
 ثانيا: ما يكون خارجا عن ماهية المأمور به، ولكن له خصوصية في تحققه؛ بحيث لا يحصل المأمور به إلا به، وهي الشرائط الخارجة قيدا والداخلة تقيدا؛ كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، فإنها وإن كانت خارجة عن ماهية الصلاة وحقيقتها، ولكن لا يمكن تحصيل الصلاة بدونها.
 ثالثا: ما يكون خارجا عن ماهية المأمور به، فلا دخالة له فيها ولا في تحققها، وإنما دخالته في تشخّص أفرادها؛ كخصوصية المسجد الحرام بالنسبة إلى الصلاة الواقعة فيه؛ فإن ماهية الصلاة قائمة بغير هذه الخصوصية، ويمكن أن تتحقق بدونها؛ كما لو حصلت في غير المسجد الحرام، إلا أنها مشخِّصة لهذا الفرد من أفراد الصلاة.
 وهذه الخصوصية إن اعتبرناها مقوِّمة للفرد، فتكون جزءا له لا للماهية، وإن لم نعتبرها كذلك، وإنما اعتبرنا الفرد متقوِّم بنفسه، فتكون شرطا.
 رابعا: ما لا يكون جزءا ولا شرطا للماهية ولا للفرد؛ كما لو كان واجبا ضمن واجب آخر، أو مستحبا ضمن واجب أو مستحب آخر؛ مثل لبس ثوبي الإحرام، فهو واجب ضمن واجب آخر، وهو الإحرام نفسه، وليس جزءا ولا شرطا لماهية الإحرام ولا لفرده؛ إذ لا يلزم من انتفائه انتفاء الإحرام.
 ومثل القنوت في الصلاة، فهو مستحب ضمن واجب إن وقع في الصلاة الواجبة، ومستحب ضمن مستحب إن وقع في الصلاة المستحبة، وهو على كلتا الحالتين لا دخالة له في حقيقة الصلاة، ولا في تحققها، ولا في تشخّص أفرادها.
 إذا عرفت ذلك، فنقول: إن ما لم يكن له دخالة في حقيقة الماهية أو تحققها؛ أي ما كان خارجا عنها قيدا وتقيدا، وهو ما له دخالة في تشخص أفراد الماهية، أو ما كان على نحو الواجب ضمن واجب آخر، أو مستحب ضمن أو واجب أو مستحب آخر، لا دخالة له في الصحيح والأعم.