الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ الأمر الرابع
 الثمرة الثانية:
 قال صاحب الكفاية: ( وقد انقدح بذلك: إن الرجوع إلى البراءة أو الاشتغال في موارد إجمال الخطاب أو إهماله على القولين، فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلى البراءة على الأعم، والاشتغال على الصحيح، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة، مع ذهابهم إلى الصحيح )
 ذكر الأعلام، ومنهم الميرزا النائيني ، ثمرة ثانية للنزاع بين القول بالصحيح وبين القول بالأعم، حاصلها: إن الأعمي يمكنه الرجوع إلى البراءة إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته؛ لأن العنوان الجامع لديه نفس المأمور به، فيرجع الشك في جزئية شيء أو شرطيته إلى الشك في قيد زائد على المأمور به؛ أي شك في أصل التكليف لا في المحصِّل، وهو مجرى البراءة.
 أما الصحيحي، فلا يمكنه الرجوع إلى البراءة؛ لأن العنوان الجامع لديه أمر بسيط، وهو غير الأفراد الخارجية، ولا يتحد معها في الخارج، فهي ليست مصاديقَ له، وإنما هي من قبيل السبب والمسبب؛ وبالتالي فالمأمور به لديه غير المسمى، فيكون الشك في جزئية شيء أو شرطيته راجعا إلى الشك في المحصِّل لا الشك في المأمور به، وهو مجرى الاحتياط.
 والإنصاف: إن هذه الثمرة غير موجودة لأمرين:
 أولا: لأنه لما لم يكون العنوان الجامع مغايرا للمأمور به لدى الأعمي، فالشك فيه شك في المأمور به؛ أي شك في أصل التكليف، وهذا مجراه البراءة. وأما الصحيحي، فالعنوان الجامع متحد مع المأمور به؛ أي هو نفسه الأفراد الخارجية، فليس الشك فيه شكا في المحصِّل، بل هو أيضا شك في أصل التكليف، ومجراه البراءة.
 ثانيا: إن الشك في المقام يرجع إلى الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين، فكل من الصحيحي والأعمي يرجعان إلى البراءة إن قالا بانحلال العلم الإجمالي إلى قدر متيقن وشك بدوي، أو يرجعان إلى الاحتياط إن قالا بعدم الانحلال.
 ونحن ذهبنا مع المشهور إلى الانحلال؛ لأننا لا ندري هل المأمور به تسعة أجزاء أم عشرة مثلا، فينحل العلم الإجمالي إلى قدر متيقن بالتسعة، وشك بدوي بالقيد الزائد، وهو العاشر، فتجري فيه البراءة.
 وإن قيل: ولكن كما نشك في التقييد بالقيد الزائد، كذلك أشك بالإطلاق، فيجري الأصلان في كل منهما، فيتساقطان ليتنجز حينئذ العلم الإجمالي.
 قلنا: إن البراءة لما كانت امتنانا من الشارع، فهي تجري في التقييد خاصة؛ لأن الإطلاق توسعة على المكلفين، فرفْعه بإجراء البراءة فيه رفعٌ للتوسعة وإحلالٌ للتضييق، وهذا خلاف الامتنان، وهكذا تجري البراءة في التقييد فحسب، لينحل العلم الإجمالي إلى قدر متيقن بالأقل، وشك بدوي في الأكثر.
 الثمرة الثالثة:
 قال صاحب الكفاية: ( وربما قيل بظهور الثمرة في النذر أيضا. قلت: وإن كان تظهر فيما لو نذر لمن صلى إعطاء درهم في البرء فيما لو أعطاه لمن صلى، ولو علم بفساد صلاته؛ لإخلاله بما لا يعتبر في الاسم على الأعم، وعدم البرء على الصحيح، إلا أنه ليس بثمرة لمثل هذه المسألة، لما عرفت من أن ثمرة المسألة الاصولية، هي أن تكون نتيجتها واقعة في طريق استنباط الأحكام الفرعية، فافهم )
 حاصل هذه الثمرة أنه لو قال المكلف: (لله علي أن أعطي درهما لمن يصلي)، ثم صلى أحدهم صلاة فاسدة، فيستحق درهما بناء على القول بالأعم، ولا يستحقه على القول بالصحيح.
 وجوابه: إن هذه الثمرة غير موجودة كسابقتها لأمور ثلاثة:
 أولا: هذه ليست ثمرة أصولية؛ لأنها لا تقع في طريق استنباط حكم فرعي كلي، وإنما هي ثمرة فقهية؛ لوقوعها في تطبيق كبرى فقهية، وهي وجوب الوفاء بالنذر، على إحدى صغرياتها، وهي الصلاة الفاسدة هنا، لينتج حكما فرعيا جزئيا، وهو وجوب الوفاء بدفع الدرهم أو عدمه.
 ثانيا: لما كان النذر تابعا لقصد الناذر، فإن كان قاصدا مطلق الصلاة، وجب عليه الوفاء حال كون الصلاة فاسدة، وإن كان قائلا بالصحيح. وإن كان قاصدا خصوص الصلاة الصحيحة، لم يجب عليه الوفاء حال كونها فاسدة، وإن كان قائلا بالأعم.
 ثالثا: إن الصحة المقصودة ليست الصحة المترتبة على تمامية الأجزاء والشرائط فحسب، بل الصحة الخارجية الفعلية التي تحتاج إلى ما يزيد على ذلك؛ كقصد القربة. وعليه، إن أتى المصلي بصلاة تامة الأجزاء والشرائط وخالية من قصد القربة، وجب على القائل بالصحيح أن يوفي بنذره ويدفع الدرهم له، رغم أن الصلاة ليست صحيحة فعليا.