الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ الأمر الرابع
 كان الكلام في المحاولة الثالثة لتصوير الجامع على القول بالأعم
 ويجيب صاحب الكفاية بأنه هناك فرق بين الأعلام الشخصية والألفاظ العبادية؛ إذ الأعلام الشخصية تتشخص بوجودها نفسه، لا بعوارضها الطارئة عليها، ووجودها هذا هو مدار تسميتها، بينما الأمور العارضة لا تؤثر لا في تسميتها ولا في مسماها، خلافا للألفاظ العبادية؛ كالصلاة مثلا، فإن ما يعرض عليها يؤثر فيها ويجعلها وجودات متعددة، إلا أن لهذه الوجودات والأفراد جامعًا على ما تقدم.
 وإلى هنا، وبعد أن اتضح بطلان القول بالاشتراك اللفظي، وبطلان قول النائيني بأن الألفاظ العبادية موضوعة للرتبة العالية، وأن إطلاقها على الباقي من باب الادعاء والتنزيل، وبعد بطلان الاشتراك المعنوي على القول بالصحيح، تصبح النتيجة أن ألفاظ العبادات موضوع للأعم من الصحيح والفاسد.
 الأمر الرابع: ثمرة النزاع بين القول بالصحيح والقول بالأعم
 قال صاحب الكفاية: ( ومنها: أن ثمرة النزاع إجمال الخطاب على القول الصحيحي، وعدم جواز الرجوع إلى إطلاقه، في رفع ما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به أو شرطيته أصلا؛ لاحتمال دخوله في المسمى، كما لا يخفى، وجواز الرجوع إليه في ذلك على القول الأعمي، في غير ما احتمل دخوله فيه، مما شك في جزئيته أو شرطيته، نعم لا بد في الرجوع إليه فيما ذكر من كونه واردا مورد البيان، كما لا بد منه في الرجوع إلى سائر المطلقات، وبدونه لا مرجع أيضا إلا البراءة أو الاشتغال، على الخلاف في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين )
 المعروف لدى الأصوليين أنه هناك ثمرتين للنزاع بين القول بالصحيح والقول بالأعم، وهما:
 الثمرة الأولى:
 أنه في حال الشك في جزئية شيء أو شرطيته، لا يمكن للصحيحي التمسك بالإطلاق، خلافا للأعمي، وتوضيحه:
 يشترط في صحة التمسك بالإطلاق مقدمات ثلاث معروفة بمقدمات الحكمة، وهي: أن يكون المتكلم في مقام البيان، وأن يكون اللفظ مقسما لحصتين على الأقل، وأن لا ينصب قرينة على الخلاف. فإذا توفرت هذه المقدمات مجتمعة صح التمسك بالإطلاق، وإن فقدت إحداها لم يصح.
 وبناء عليه، فأما الأعمي، فإن شك في جزئية السورة مثلا في الصلاة، فلا إشكال في صحة تمسكه بإطلاقات أدلة الصلاة؛ مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ }لأن عنوان الصلاة عنده موضوعا للأعم من الصحيح والفاسد، وبالتالي هو محرز سواء كانت السورة جزءا أم لا.
 أما الصحيحي، فلما كان لفظ الصلاة موضوعا عنده لحصة خاصة، وهي الصلاة الصحيحة، يكون الشك في جزئية السورة راجعا إلى الشك في دخولها في مسمى الصلاة وعدم دخولها، مما يعني عدم إحراز عنوانها، فتنخرم المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة، وبالتالي لا يصح حينئذ أن يتمسك بالإطلاق.
 وقد أشكل على هذه الثمرة بإشكالين:
 الإشكال الأول:
 هذه الثمرة لا نفع منها؛ لأن كلا من الصحيحي والأعمي له أن يتمسك بالإطلاق؛ فإنا وجدنا كلا منهما قد تمسك بإطلاق صحيحة حماد في نفي وجوب الاستعاذة.
 وجوابه: الإطلاق في هذه الرواية إطلاق مقامي، وكلامنا في الإطلاق اللفظي، فإن الأول لا يشترط فيه إلا أن يكون المتكلم في مقام البيان، وأن لا ينصب قرينة على الخلاف، وهذا متحقق للصحيحي والأعمي على حد سواء، ولا يشترط فيه إحراز العنوان كالإطلاق المقامي، وبالتالي هذا الإشكال غير وارد.
 الإشكال الثاني:
 هذه الثمرة لا نفع منها، ولكن ليس لأن كلا من الصحيحي والأعمي له التمسك بالإطلاق، بل لأن كلا منهما لا يمكنه التمسك به.
 أما الأعمي، فلانخرام المقدمة الأولى لديه؛ فهو لم يحرز أن المتكلم في مقام البيان؛ إذ ألفاظ العبادات في القرآن والسنة إما مجملة أو مهملة؛ حيث إن الشارع في مقام التشريع لا البيان والتفصيل.
 وأما الصحيح، ففضلا عن انخرام المقدمة الأولى لديه للعلة نفسه، كذلك المقدمة الثانية؛ لأنه لم يحرز العنوان كما تقدم في الإشكال الأول.
 وجوابه: دعوى أن ألفاظ العبادات في القرآن والسنة مهملة أو مجملة، وأن الشارع في مقام التشريع لا البيان، دعوى جزافية لا مثبت لها، وكذلك دعوى الفرق بين ألفاظ العبادات والمعاملات؛ حيث قيل أن الشارع في مقام البيان بالنسبة للمعاملات دون العبادات، تحكّم.