الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر العاشر \ الصحيح والأعم \ الأمر الثاني
 الأمر الثاني: معنى الصحيح والأعم
 قال صاحب الكفاية: ( ومنها: أن الظاهر أن الصحة عند الكل بمعنى واحد، وهو التمامية، وتفسيرها بإسقاط القضاء - كما عن الفقهاء - أو بموافقة الشريعة - كما عن المتكلمين - أو غير ذلك، إنما هو بالمهم من لوازمها؛ لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار، وهذا لا يوجب تعدد المعنى، كما لا يوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر، والحضر، والاختيار، والاضطرار إلى غير ذلك، كما لا يخفى ).
 يذكر صاحب الكفاية في الأمر الثاني معنى الصحة والفساد، فاستظهر من كلام الأعلام أن الصحة لديهم بمعنى واحد، وهو (تمامية الأجزاء والشرائط)، وخلافه الفساد. أما تعريف الصحة بإسقاط القضاء، كما عن الفقهاء، وموافقة الأمر والشريعة، كما عن المتكلمين، فهو تعريف باللازم. وتوضيحه:
 أما بالنسبة إلى الفقهاء: فإن غرضهم من تصحيح فعل المكلف إثباتُ عدم وجوب القضاء والإعادة، فحينما يقال: (هذه الصلاة صحيحة)؛ فالمقصود لا تجب إعادتها وقضاؤها. ومن هنا عرفوا الصحة باللازم الملائم لغرضهم، وهو إسقاط القضاء.
 أما المتكلمون: فغرضهم من تصحيح فعل المكلف إثبات موافقته لأمر الشارع؛ فحينما يقال: (هذه الصلاة صحيحة)؛ فالمقصود أنها موافقة للأمر والشريعة. ومن هنا عرفوا الصحة باللازم الملائم لغرضهم.
 ثم يبين الآخوند أن اختلاف تفسير الفقهاء والمتكلمين لمعنى الصحة، إنما هو اختلاف في اللازم فقط، وإلا فهم متفقون على معنى واحد للصحة، وهو تمامية الأجزاء والشرائط، فإن الصحة على هذا المعنى تشتمل على لازمين: سقوط الإعادة والقضاء، وموافقة الأمر؛ فإن العمل إذا كان تاما، فلازم ذلك عدم وجوب إعادته وقضائه، وتحقق موافقة الأمر، وإنما فسر الفقهاء الصحة بما فسروه؛ لأن الإعادة والقضاء لازم مهم بنظرهم، بينما موافقة الأمر لازم مهم بنظر المتكلمين؛ لذلك فسروا الصحة به.
 ثم إن النسبة بين معنى الصحة على تفسير الفقهاء ومعناها على تفسير المتكلمين، عموم وخصوص من وجه؛ فإنا نجد في بعض الموارد لا تجب الإعادة، ولكن لا يكون العمل موافقا للأمر، وبالتالي يكون العمل صحيحا على تفسير الفقهاء، وفاسد على تفسير المتكلمين؛ كما لو جهر المكلف غير عامد في صلاة إخفاتية أو العكس، فالفقهاء صححوا الصلاة؛ لعدم وجوب الإعادة في هذا المورد؛ لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ( في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته ) [1]
 أما المتكلمون، فلم يصححوا الصلاة؛ لأنها غير موافقة للأمر.
 وقد يكون العمل صحيحا لدى المتكلمين، وفاسدا لدى الفقهاء؛ كما في موارد مبحث الإجزاء؛ فلو قامت الأمارة على عدم وجوب السورة، فصلى المكلف بمقتضاها، ثم انكشف الخلاف، هنا تصح الصلاة لدى المتكلمين؛ لأنها جاءت وفق الأمر؛ أي وفق الأمارة، بينما لا تصح لدى الفقهاء؛ لانكشاف الخلاف في الواقع.
 وفيه: المفروض أن لا تكون الصلاة صحيحة حتى لدى التكلمين؛ لأنه بعد انكشاف مخالفة الأمارة للواقع، تبين أنه لم يكن هناك أمر في الواقع لتكون موافقته مصححة للعمل.
 ثم حصل خلاف على شمول الصحيح لتمامية الشرائط أيضا، أو الاكتفاء بتمامية الأجزاء. فنقول:
 الشرائط على قسمين:
 القسم الأول: شرائط يلحظها الجاعل حين الجعل وتعيين المسمى؛ كالستر والطهور واستقبال القبلة.
 القسم الثاني: شرائط متأخرة عن الجعل وأمر المولى؛ مثل قصد القربة، أو أن الصلاة مزاحمة بأمر آخر.
 إذا عرفت ذلك، فنقول: الشرائط في القسم الثاني ليس داخلة في محل النزاع؛ لأنها متأخرة عن مرتبة تعيين المسمى، وأنه هل جعل للصحيح أم للأعم؟ بينما الشرائط في القسم الأول داخلة؛ لأنها في مرحلة تعيين المسمى. ولكن هل الشرائط في القسم الأول داخلة في أصل المسمى؛ أي هل لها دخالة في أصل التأثير في الصحة، أم أن دخالتها في فعلية التأثير فقط؟
 أجيب: بأن الشرائط لها دخالة في فعلية التأثير لا في أصله واقتضائه، خلافا للأجزاء؛ فأجزاء الصلاة هي من تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ أي هي من لها فعلية التأثير واقتضائه، أما شرائطها من الطهارة والاستقبال والستر ونحوها، فدخالتها في أن يكون المحل؛ أي الصلاة، قابلا للتأثير. وعليه، فالصحيح موضوع لتام الأجزاء، والأعم موضوع للأعم من تام الأجزاء وعدم.
 وفيه: إنا لا نستطيع القول بأن الصلاة بمثابة العلة التامة لوقوع تأثير النهي عن الفحشاء والمنكر؛ بدليل أنها لو كانت كذلك، للزم انتهاء كل مصل عنهما، فليست الصلاة إلا مقتضي لتحقق التأثير، لا علة تامة له. وعليه، نحن لا ندري إن كانت الأجزاء هي المؤثرة فقط أم لا.
 نعم، لقائل أن يقول: إن الشرائط غير مؤثرة حتما؛ لأنها لو كان لها دخالة في المؤثرية والمسمى، للزم بطلان الصلاة إذا لم يقصد المصلي تقيّد الأجزاء بالطهارة مثلا، والحال أنها صحيحة رغم عدم هذا القصد، مما يكشف عن عدم دخالتها في المسمى، وإلا وجب قصدها، كقصد الأجزاء.


[1] - وسائل الشيعة باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، ج6، ص86، ح1.