الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/12/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الأولى\ وحدة موضوع العلم
 المبحث السادس: اسم الإشارة واسم الموصول والضمير
 قال صاحب الكفاية: ( ثم إنه قد انقدح مما حققناه، أنه يمكن أن يقال: إن المستعمل فيه في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضا عام، وأن تشخصه إنما نشأ من قبل طور استعمالها؛ حيث أن أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها، وكذا بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب به المعنى، والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى، فدعوى أن المستعمل فيه في مثل (هذا) أو (هو) أو (إياك) إنما هو المفرد المذكر، وتشخصه إنما جاء من قبل الإشارة، أو التخاطب بهذه الألفاظ إليه، فإن الإشارة أو التخاطب لا يكاد يكون إلا إلى الشخص أو معه، غير مجازفة )
 ذهب صاحب الكفاية فيما يخص أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، والضمائر، إلى أنها من الوضع العام والموضوع له العام، فاسم الإشارة (ذا) مثلا موضوع لكلي المفرد المذكر الصالح للإشارة، لا المعنى المتصف بكونه مشارا إليه؛ بحيث تكون الإشارة إليه جزءًا من المعنى الموضوع له لفظ الإشارة. وعليه، فالإشارة خارجة عن الموضوع له، والمستعمل فيه، وتكون حينئذ من كيفيات الاستعمال اقتضاها الاستعمال نفسه. وبالنتيجة يكون الموضوع له في أسماء الإشارة عاما كالوضع، ويكون تشخص المشار إليه ناشئا من طور الاستعمال.
 ثم إنه ما المراد من قوله: "والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص"؟ هل مراده أن الإشارة والتشخص لا يكونان إلا في الجزئي، وبالتالي لا يصحان في الكلي؟ فإن كان مراده هذا، وهو بعيد،
 فيرد عليه:
 أولا: إنه خلاف مبناه القاضي بأن الموضوع له والمستعمل فيه فيها عام كلي.
 ثانيا: كيف لا تصح الإشارة إلى الكلي مع أنه كثيرا ما يشار بلفظ (هذا) إلى الطبايع الكلية؛ فيقال: (هذا الإنسان الكلي أفضل من باقي الحيوانات). ولكن سيأتي منا، إن شاء الله تعالى، أن الإشارة لا تكون حقيقية إلا إلى الجزئي، سواء كان جزئيا خارجيا أم ذهنيا.
 وعلى كل حال، فهذا الاحتمال من عبارته بعيد عن مراده، ومن هنا يتعين أن يكون مراده من هذه العبارة أن معنى (هذا)، وإن كان كليا، وتصح الإشارة إلى الكلي، إلا أنه بالإشارة يتشخص المشار إليه، ويصبح جزئيا. وعليه، فتشخصه وجزئيته بالإشارة إليه حال الاستعمال، فلولا الإشارة لكان المعنى كليا.
 وفيه: إن تشخص المشار إليه لا يكون بالإشارة، بل وجوده شخّصه بنفسه، ومن هنا قالوا في الفلسفة: "الشيء ما لم يتشخّص لم يوجد"، فليست الأعراض الطارئة ما يشخّص الموجود.
 وبالجملة، فإن تشخص كل موجود بنفس ذاته وهويته الشخصية، لا بوجود آخر؛ بداهة أن كل وجود يباين وجودا آخر. وعليه، فالأعراض الملازمة لهذا الوجود، لا يعقل أن تكون مشخصة له؛ ضرورة أن تلك الأعراض واللوازم أفراد لطبايع شتى، لكل منها وجود وماهية، فيستحيل أن تكون من مشخصاته. ومن هنا قالوا: إن تشخص الماهية بالوجود، وأما تشخص الوجود فبنفس ذاته، لا بشيء آخر، وإلا لدار أو ذهب الأمر إلى ما لا نهاية له، وهذا معنى قولهم: "الشيء ما لم يتشخص لم يوجد".
 والخلاصة: إن كان المشار إليه هو الكلي المفرد المذكر الصالح للإشارة إليه، فلا يمكن أن تكون الإشارة هي ما استدعت تشخّصه. وإما كون الموضوع له والمستعمل فيه كليا، فيتضح بطلانه.
 وذهب بعض الأعلام: كالسيد البروجردي إلى أن أسماء الإشارة موضوعة لنفس الإشارة، لا لأن يتصور بها مفهوم الإشارة؛ فالمستعمل فيها هو مصداق الإشارة.
 أقول: لعل كلام ابن مالك في البيت الثاني والثمانين من ألفيته يشير إلى ذلك؛ حيث قال:
 "بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أشِرْ بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ"
 فلم يكن المقصود من الإشارة مفهومها. ومهما يكن، فيرد على هذا القول: إن الموضوع له فيها إذا كان مصداق الإشارة، فيكون حينئذ معنى حرفيا لا اسميا، فينقلب من الاسم إلى الحرف، ويترتب عليه عدم جواز إجراء أحكام الاسم عليها من الإخبار عنها تارة، وبها أخرى، ووقوعها فاعلا ومفعولا ونحو ذلك، مع أن ذلك واضح البطلان.
 وأما أنه لم يكن موضوعا لمفهوم الإشارة؛ فلأن المستعمِل لها لا يريد مفهوم الإشارة وجدانا، كما لا معنى للقول أنها موضوعة لمفهوم الإشارة، ولكنها تستعمل في الأفراد؛ إذ لا معنى لأن تكون موضوعة لمعنى، ثم تستعمل في شيء آخر دائما.
 أما ما ذهب إليه الآغا ضياء الدين العراقي: من أنها موضوعة للذات المبهمة؛ أي أنها موضوعة لمعنى مبهم يوضحه شيء آخر بعده؛ كالصلة في الأسماء الموصولة، والمشار إليه نفسه في أسماء الإشارة؛ كما في قولك: (هذا زيد)؛ حيث يكون زيدا موضحا ورافعا للإبهام الذي دل عليه اسم الإشارة، وليس الموضوع له فيها مصاديق المشار إليه؛ أي أشخاص الذوات المخصوصة، وإلا يلزم انسباق مفهوم (زيد) في مثل قولك: (هذا زيد) في الذهن مرتين؛ تارة من لفظ (هذا)، وأخرى من لفظ (زيد)، مع أنه كما ترى.
 فجوابه: إذا كانت (ذا) موضوعة للذات المبهمة، والحال أن الوضع عملية حكم اختيارية للنفس، تقتضي معرفة المحكوم به والمحكوم عليه؛ أي تصور المعنى واللفظ، فإذا لم تتصور النفس المعنى؛ لأنه ذات مبهمة، فكيف تحكم عليه؟
 وأما قوله بأن الموضوع له فيها إن كان عبارة عن أشخاص الذوات؛ أي مصاديق المشار إليه، فيلزم انسباق مفهوم (زيد) مرتين في قولك: (هذا زيد)، ففيه: إن الموضوع له والمستعمل فيه فيها وإن كان خاصا، كما هو الإنصاف على ما سيأتي، إلا أن تصوره إنما كان بالوجه لا بالتفصيل؛ لأن العام المتصور وجه للخاص، فيكون تصور الخاص بوجهه لا بكنهه، وهذا بخلاف مفهوم (زيد)، فإنه متصور بنفسه، ومن هنا كان أوضح من اسم الإشارة، وكان عطف بيان ونحو ذلك.
 ومن هنا كان الإنصاف أن الموضوع له والمستعمل فيه في اسم الإشارة خاص، والوضع عام؛ أي إن المعنى الكلي الملحوظ حين الوضع، هو المفرد المذكر الصالح للإشارة إليه، ويوضع اللفظ بإزاء أفراده، وهذا هو المطابق للوجدان. ومما ذكرنا يتضح حال الضمائر واسم الموصول. والله العالم