الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ القسم الثاني / الشبهة العبائية
 كان الكلام في الشبهة العبائية، وحاصل الإشكال فيها:
 أنه عندنا قاعدة مسملة وهي أن الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي لا يحكم عليه بالنجاسة بل يبقى على طهارته.
 وهنا إذا علمنا إجمالا بنجاسة أحد طرفي العباءة ولم ندري أهو الأعلى أو الأسفل، ثم طهرنا أحدهما فهنا بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني ينبغي استصحاب النجاسة، وعليه إذا لاقى شيء رطبا لأحط طرفي العباءة يحكم بالنجاسة مع أنكم قلتم أن القاعدة المسلمة هي أن الملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي محكوم بالطهارة.
 الجواب:
 يبدو أن الميرزا النائيني رحمه الله، ويقول السيد الخوئي رحمه الله أن للميرزا جوابين (لكن في تقريرات الكاظمي لاحظت أن له جوابا واحدا ولعله في آخر دورة له رحمه الله ):
  الجواب الأول: ليس عندنا هنا استصحاب للكلي في المقام وإنما عندنا استصحاب للفرد المردد.
 والسبب في ذلك أن ركن وموضوع استصحاب الكلي أن يكون عندك شك في فردين من صنفين كما إذا دخل حيوان إلى هذا المكان ولم أدري أهو من صنف البق أم من صنف الفيل، أو كان عندي حدث ولم أدري أهو أكبر أو أصغر.
 وهنا ليس عندي كلي أصلا وإنما عندي فرد معلوم لكن لا أدري مكانه، والشك في خصوصية المكان كالشك في خصوصية الزمان لا تجعل منه كليا بل يبقى جزئيا. فأنا أعلم أن هناك دم وقع على الثوب أو بول مثلا لكني أشك في محل وقوعه وهذا الشك لا يجعل منه كليا بل يبقى جزئيا حقيقيا.
 وقد مثل لذلك بمثالين:

 الأول: لو دخل إلى الدار حيوان ولم ندري أهو في الجهة الشرقية أو الغربية، ثم انهدمت الجهة الغربية واحتملت وجود الحيوان في تلك الجهة وبالتالي احتملت موته، يقول: فهذا الاستصحاب شخصي وليس كلي فهو من قبيل استصحاب الفرد المردد.
 الثاني: لو كان عندك درهم بعينه في ضمن دراهم، ثم تلف درهم من هذه الدراهم واحتملنا أن يكون التالف هو ذلك الدرهم درهم زيد مثلا، يقول أيضا أن هذا الاستصحاب شخصي وليس كليا.
 إذا فالجواب الأولى للميرزا النائيني رحمه الله أن هذا الاستصحاب ليس من استصحاب الكلي وإنما هو من قبيل استصحاب الفرد المردد وقد ذكرنا سابقا أنه إذا ارتفع أحد الأفراد المرددين لا يجري استصحاب الفرد المردد. وعليه إذا لم يجري الاستصحاب في مثل الحالة التي نحن فيها نحكم بطهارة الملاقي لأحد أطراف العباءة فيرتفع الإشكال في هذه الصورة.
 وقد أشكل السيد الخوئي على الميرزا رحمهما الله وقال بأن النزاع ليس في أن الاستصحاب هنا من قبيل استصحاب الكلي أو غيره، وإنما الإشكال كيفية التوفيق والجمع بين استصحاب النجاسة والقول بالطهارة.
 إذا يقول السيد الخوئي أنه حتى لو كان الاستصحاب هنا من قبيل استصحاب الفرد ففي كل الأحوال يبقى الإشكال وهو كيفية الجمع بين استصحاب النجاسة والقول بطهارة الملاقي لأحد الأطراف، إذا فبحسب قول السيد الخوئي لم يقدم ما ذكره الميرزا أي شيء لحل الإشكال.
 نقول للسيد الخوئي رحمه الله: إن الميرزا رحمه الله حينما قال بأن الاستصحاب في المسألة من قبيل استصحاب الفرد المردد إنما أراد القول بأن الاستصحاب هنا لا يجري ولم يقل بجريانه حتى تشكل عليه بمسألة التوفيق بين استصحاب النجاسة والقول بالطهارة فهو رحمه الله منع جريان الاستصحاب هنا وقال بالطهارة وبالتالي جوابه يحل الإشكال لا أنه لم يقدم شيئا في حل الإشكال.
 الطالب: لماذا لا يجري استصحاب الفرد المردد.
 الشيخ: لأنه لا أثر شرعيا له.
 إذا إنصافا هذا الجواب من الميرزا رحمه الله جواب لا بأس به.
 الجواب الثاني:
 أنه وبقطع النظر عن كونه من قبيل استصحاب الكلي أو لا ،تارة يكون الاستصحاب من باب مفاد كان الناقصة وأخرى كان التامة.
 وتوضيحه: أما إذا كان الاستصحاب من باب مفاد كان الناقصة يقولون وإن كان يجري لكن لا حالة سابقة له،لأن كيفية جريانه كالتالي: مثلا هذا الطرف بخصوصه - الأعلى مثلا كان نجسا ثم شككنا في البقاء فنستصحب بقاءه وهكذا الأسفل مثلا. يقول: الاستصحاب وإن كان يجري على هذا النحو لكنه هنا لا يجري لأنه ليس لدينا علم بنجاسة طرف بعينه حتى نقول أننا علمنا بالنجاسة وشككنا في بقائها حتى نستصحب، وإنما لدينا علم إجمالي بنجاسة أحد الطرفين ،لأننا بعد أن غسلنا الأعلى أصبح لدينا علم بالطهارة فلا يجري فيه استصحاب النجاسة، أما الأسفل فهو مشكوك النجاسة من أول الأمر.
 إذا إنما تثبت نجاسة الملاقي هنا إذا كان الاستصحاب من باب مفاد كان الناقصة وهو لا يجري هنا.
 وإن قلت: أن الاستصحاب يجري بمفاد كان التامة. نقول: صحيح أنه يجري الاستصحاب هنا ولكنه لا يثبت نجاسة الملاقي إلا على القول بالأصل المثبت.
 وتوضيحه: أنني على يقين من وقوع النجاسة على أحد طرفي العباءة لا على وجه التعيين وإلا لكان مفاد كان الناقصة وليس التامة - ثم لما طهرنا أحد الأطراف شككنا في بقاء النجاسة فنستصحب بقاؤها ، هذا صحيح، لكن الحكم بنجاسة الملاقي يلزمه بالإضافة إلى نجاسة الملاقى (بالفتح) ثبوت الملاقاة في الخارج، لأن الملاقاة الخارجية لازم عقلي لوجود النجاسة وليس لازما شرعيا.
 مثلا كما ذكر الشيخ النائيني رحمه الله: لو كان عندنا ماء ثم غسلنا به ثوب متنجس، فطهارة الثوب متوقفة على كرية هذا الماء، فلو شككنا بكرية هذا الماء استصحبنا بقاء كريته، فإذا أثبتنا شرعا كرية هذا الماء حتما يلزمه شرعا ثبوت التطهير به وبالتالي طهارة الثوب المغسول به.
 وبناء عليه إذا قلنا أن " هذا الماء كر " أي أن الاستصحاب كان بمفاد كان الناقصة، تكون طهارة الثوب المغسول به من اللوازم الشرعية لكرية هذا الماء.
  أما إذا لم يكن عندي علم بكرية هذا الماء بعينه لكن كان عندي علم بوجود الكر ثم شككت ببقاء الكرية فاستصحبت بقاءها، ولزم من استصحاب بقاء الكرية ثبوت كرية هذا الماء عقلا لم ينفع ذلك في المقام لأن الاستصحاب ليس حجة في لوازمه العقلية.
 يقول الشيخ النائيني: الاستصحاب بمفاد كان الناقصة لا يجري لعدم اليقين السابق بنجاسة طرف بعينه فاستصحاب بقاء النجاسة في العباءة يلزمه عقلا ثبوت الملاقاة واللازم العقلي غير حجة. إذا الاستصحاب هنا لا ينفع هنا وعليه نحكم بطهارة الملاقي لأحد الأطراف.
 وقد أشكل على هذا الكلام بما حاصله:

 أن الاستصحاب يجري هنا بمفاد كان الناقصة الذي مَنَعتَ من جريانه بها، لأن مفاد كان الناقصة هنا هو إثبات نجاسة أحد طرفي العباءة حتى لو لم نعلمه بخصوصه، فيمكننا أن نقول أن هناك طرف في العباءة نجس أو خيط أو جهة وهذا هو مفاد كان الناقصة في قبال التامة التي يكون الحديث فيها عن الوجود وعدمه، فهنا إذا شككنا في بقاء النجاسة نستصحبه ولا يضر في ذلك عدم علمنا بخصوصية المتنجس.
 هذا الكلام إنصافا صحيح، أساسا الشك في الكلي في القسم الثاني دائما يكون على هذا النحو كما في المثال الذي ذكرناه حول دخول البق أو الفيل إلى الدار فإنه إن كان فيلا فهو باق وإن كان بقا فهو منتف فاستصحب بقاؤه ويلزم منه عقلا أن يكون الباقي هو الفيل.
 أساسا كل كلي من القسم الثاني هذا حاله، ولو منعنا جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة لم يبقى عندنا كلي أبدا وليس الأمر منحصرا بالشبهة العقلية.
 والسر في ذلك أنه لا يشترط في جريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة العلم التفصيلي، فلو علمت بنجاسة خيط من هذه العباءة كان كافيا لجريان الاستصحاب بمفاد كان الناقصة، وعند الشك ببقاء النجاسة استصحب بقاءها.
 فإذا كان الأمر كذلك كيف نوفق بين هذا القول والقول بأن الملاقي لأحد الأطراف يكون طاهرا (طهارة الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي).
 أما الجواب:
 فهو أن القاعدة قد لا تجري في المقام فإن هذه القاعدة وإن كانت كلية ولكن ما من عام إلا وخصص كما هو الحال في قاعدة: (البينة على المدعي واليمين على المنكر) التي خصصت في باب الدماء ومغصوب القيمة على الرغم من أنها قاعدة متسالم عليها في باب القضاء
 فصحيح أن الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي محكوم بالطهارة لكنه هنا مخصص لوجود أصل حاكم عليه، لأن الحكم بطهارة الملاقي لأحد الطرفين لا يخلو إما أن نستصحب طهارته السابقة أو نستصحب عدم ملاقاته للنجاسة (استصحابا موضوعيا)، فنقول بالطهارة. لكن إذا كان هناك أصل حاكم عليه رفعنا اليد عنه، والأصل الحاكم هو استصحاب بقاء النجاسة (استصحاب الكلي ) فلا يقال حينئذ نستصحب عدم الملاقاة لأن الملاقاة ثبتت باستصاب كلي النجاسة، فحينئذ نحكم بالنجاسة في هذه الصورة.
 وإن قلت: كيف قلت هناك بالطهارة واستحسنت جواب النائيني وأنه طاهر وهنا قلت بالنجاسة.
 أقول: هنا نقول بالنجاسة بناء على جريان استصحاب الكلي، لكننا أثبتنا أنه ليس هناك من استصحاب كلي وأن الاستصحاب لا يجري فقلنا بالطهارة وهو الصحيح، وهنا نقول أنه إذا كان من باب استصحاب الكلي وجرى الاستصحاب هنا نحكم بالنجاسة لأن استصحاب كلي النجاسة حاكم على استصحاب طهارة الملاقي، وعليه لا منافاة بين الجوابين.
 والخلاصة: إن استصحاب النجاسة لا يجري في الشبهة العبائية لأنه ليس من باب استصحاب الكي واستصحاب الفرد المردد لا يجري الاستصحاب فيه هناك. وعليه نحكم بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، فتكون شبهة السيد اسماعيل الصدر رحمه الله منتفية.