الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ القسم الثاني / الأصل السببي والأصل المسببي
 لا زال الكلام في جريان الاستصحاب في القسم الثاني، قلنا أن هناك إشكال في هذه المسألة وهو أنه عندنا مانع من جريان الاستصحاب هنا حاصله أنه لدينا أصل سببي وإذا جري الأصل السببي لا يجري الأصل المسببي وهنا الشك في بقاء الكلي منشأه الشك في حدوث الفرد الباقي، فلو علم زيدا إجمال بحصول رطوبة شك في أنها بول أو مني مثلا، فتوضأ ثم شك في بقاء الحدث إذ لعل الحدث هو المني، فكان منشأ الشك في بقاء الكلي هو حدوث الفرد الباقي.
 فإذا جرى الاستصحاب في الفرد الباقي وقلنا أن الأصل عدم حدوث الجنابة فلا يبقى شك في بقاء الكلي، فيسقط.
 هذا أصل الإشكال عندهم، وقلنا بأنهم أجابوا عن ذلك بعدة إجابات منها بأن الشك في بقاء الكلي ليس ناشئا عن الشك في حدوث الفرد الباقي كما قال صاحب الكفاية رحمه الله، وبعضهم أجاب بشيء آخر.
 لكن هناك جواب آخر متين وواضح لا غبار عليه مقبول عند الجميع وهو لصاحب الكفاية أيضا رحمه الله، ويرد عليه
 أولا: صحيح كما قلنا سابقا بأن القاعدة العام هي أن الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي وأن جريانه يمنع من جريان الأصل المسببي، لكن هناك شرط أساسي في حاكمية الأول للثاني وأن جريانه يمنع من جريان الثاني، وهو أن يكون المسبب أثرا شرعيا للسبب، وبعبارة أخرى أن يكون ترتب المسبب على السبب شرعيا لا عقليا ولا عاديا، وإن شأت فقل أن يقول من أثار السبب ثبوت المسبب أو عدمه، فحينها نعم يكون الأصل السبب رافعا للموضوع في المسبب.
 مثلا: لو كان عندنا ثوب متنجس وغسلناه بماء مشكوك الطهارة، فهنا الشك في طهارة الماء يستوجب الشك في طهارة الثوب لأنك لم تحرز ولو بالأصل يبقى الشك في طهارة الثوب قائما فإذا أثبتنا طهارة الماء تعبدا بالاستصحاب أو بقاعدة الطهارة يترتب عليه شرعا طهارة الثوب المغسول به.
 وعليه فإذا استصحبنا طهارة الماء لا يبقى محل للقول باستصحاب نجاسة الثوب لارتفاع موضوع الاستصحاب وهو الشك ولو تعبدا.
 ومن هنا نقول يشترط في كون الأصل السببي حاكما على الأصل المسببي بعد فرض السببية والمسببية

 أولا: أن يكون ترتب المسبب على السبب شرعيا،
 ثانيا: أن يرتفع موضوع المسبب أي الشك.
 بالعودة إلى موردنا: أفرض أن حيوانا دخل إلى هذا المكان وشككنا في أنه بق أو فيل، وبعد مضي ثلاثة أيام لأن البق لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام مثلا - شككنا في بقائه لأنه يحتمل أن يكون الداخل هو الفيل، فهنا حتى لو سلمنا أن منشأ الشك في بقاء حياة الحيون البق هو دخول الفيل في الشك فترتب المسبب على السبب هنا ليس شرعيا وبعبارة أخرى لأن وجود الكلي بوجود فرده وانتفائه بانتفائه أمر عقلي وليس شرعيا.، وإذا لم يكن الترتب شرعيا انتفى الشرط الأول وهو كون الترتب بينهما شرعيا.
 وكذلك إذا كان الترتب شرعيا ولم يزيل الشك في المسبب أيضا لا يكون الأصل السببي حاكما على الأصل المسببي.
 مثلا إذا أراد زيد أن يصلي صلاة الظهر وعنده لباس مأخوذ من الحيوان، وشككنا أن هذا اللباس متخذ من حيوان مأكول اللحم أم لا، لإنه إن كان من غير مأكول اللحم لم تصح الصلاة فيه، فقد تقول نعمل بأصالة الحل لأن بحثنا ليس في كونه مذكى أو لا، فإذا بنيت على أصالة الحلية والمنشأ في الشك عندنا هو حلية الحيوان أو عدم حليته هل يجوز لك الدخول في الصلاة أم لا؟
 لا يجوز ذلك لأنه مشترط بإحراز كون الحيوان الذي اتخذ منه هذا اللباس مما أحل الله أكله ، وأصالة الحلية تثبت لي حلية الأكل لا أن هذا الحيوان مما أحل الله أكله، فالأصول موردها الشك وحكمها ظاهري. ولذا جريان أصالة الحل لا يرفع الشك في المسبب
 إذا جريان أصالة الحل لا يرفع الشك في المسبب طبعا البعض يقول بجواز الدخول لأن الشرط في اللباس المتخذ من الحيوان عنده هو الحلية الظاهرية وبالتالي لا ترفع الشك في جواز الدخول في الصلاة.
 وبالتالي لا بد بالإضافة إلى وجود أثر شرعي لترتب المسبب على السبب من أن يرفع جريان الأصل في السبب رافعا للشك في المسبب وعليه فالنتيجة إلى هنا لا سيما في الكلي الطبيعي - أن الكلي بالنسبة إلى فرده ثبوته بثبوت فرده عقلي وانتفائه بانتفائه عقلي وليس أثرا شرعيا، ومن هنا لما كان الأصل السببي ليس حاكما على الأصل المسببي يجري الأصل المسببي في المقام ونستصحب الكلي.
 يبقى أن استصحاب الكلي يجري مع عدم جريان الاستصحاب في أحد أطرافه، وإلا لو جرى الاستصحاب في بعض أطرافه دون البعض الآخر انحل العلم الإجمالي ولما أمكن استصحاب الكلي، لأننا قلنا أن العلم الإجمالي يتنجز إذا تعارضت الأصول في أطرافه ، فلو فرضنا أن الأصل جرى في بعض الأطراف دون الآخر لما أمكن استصحاب الكلي، كما لو أن زيدا كان محدثا بالأصغر ثم خرجت منه رطوبة وشك في أن هذه الرطوبة الخارجة بول أو مني، فأصبح لديه علم إجمالي بأنها إما بول أو مني، وبالتالي هو متيقن أنه محدث بالأصغر وشك في أنه لا زال محدثا بالأصغر أم أنه صار محدثا بالأكبر أيضا، فيستصحب الأصغر ويكتفي بالوضوء لأن استصحاب الكلي هنا لا معنى له.
 نعم لو كان متطهرا ثم خرجت رطوبة وعلم أنه إما بول وإما مني فهذا العلم الإجمالي منجز عليه ولذا أفتى الفقهاء هنا بوجوب الوضوء والغسل، ولا يكتفى بالوضوء فقط لأنه يبقى الشك في الحدث فيستصحب بقاءه.
 إذا إذا جرى الأصل في أحد الأطراف بلا معارض انحل العلم الإجمالي أما إذا لم يجري نعم يبقى منجزا.
 إذا تبين ذلك يبقى السؤال هل عندنا كلي له أثر شرعي أم لا؟
 قالوا : في الحدث مطلق الحدث حيث يترتب عليه عدم جواز مس القرآن ، وعدم جواز الدخول في الصلاة، فهو أثر شرعي لكلي الحدث .
 نقول: أما أن عدم جواز المس مترتب على كلي الحدث بناء على تفسير الآية بعدم جواز المس فهذا صحيح، أما أن عدم جواز الدخول في الصلاة هو أثر لكلي الحدث ففيه كلام، لأنه لا يوجد عندنا دليل على ذلك، فالمشترط في الصلاة هو طهارة لا صلاة إلا بطهور - لا أن الحدث مانع من الصلاة، ( كما كان الحال بالنسبة للباس المصلي فتارة تقول أن الميتة مانع من الصلاة وأخرى تقول أنه يشترط كون الحيوان مذكى )، هنا كذلك نقول يشترط الطهارة وليس الحدث مانعا، وإذا كان الأمر كذلك لا يمكن القول أن عدم جواز الدخول في الصلاة أثر شرعي للحدث، بل لا يجوز الدخول في الصلاة إلا بطهارة.
 فالقاعدة العامة أن الكلي الطبيعي إذا كان له أثر شرعي ثم شككت في بقائه بعدما كنت على يقين في وجوده يمكن لك استصحاب الكلي.
  وقبل أن ننهي الكلام في هذا القسم نذكر شبهة في المقام وهي التي يطلق عليها الشبهة العبائية.
 وهي شبهة طرحها الشهيد الصدر على الطلاب حيث سألهم: إذا وقعت نجاسة على العباءة إما على طرفها الأعلى أو الأدنى ثم غسلنا أحد الطرفين فما هو الحكم قالوا إن مقتضى القاعدة استصحاب النجاسة لأن هذا يشبه الكلي من القسم الثاني فانتفى فرد وبقي الفرد الآخر، فأشكل عليهم بأنه إذا لاقى شيء الطرف المطهر فهل ينجس قالوا لا ينجس فقد طهرناه، قال: فإن لاقى الطرف الآخر هل ينجس، أيضا لا ينجس لأن الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة محكوم بالطهارة أيضا.
 إذا إذا لاقى الأعلى لا ينجس لأنه طاهر بالوجدان وإذا لاقى الأدنى لا ينجس لأنه أحد أطراف الشبهة المحصورة، فهو محكوم بالطهارة في الحالتين مع أن استصحاب النجاسة يفيد النجاسة.
 والجواب غدا إن شاء الله.