الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/11/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ الأحكام الوضعية / جريان الاستصحاب بناء على الأمارة
 كان الكلام في جريان الاستصحاب مع وجود ظن سابق وليس يقين
 فكيف صح أن يجري الاستصحاب بناء على الأمارة أو الأصل العملي إذا قامت أمارة على شيء ثم شككنا في بقائه تقولون نستصحب البقاء مع أنه لا يوجد عندنا يقين بل ظن،
 وقد أجاب صاحب الكفاية

عن ذلك بأنه حينما يذكر اليقين في لسان الأدلة يذكر كطريق للثبوت ليس إلا، وليس المراد اليقين بما هو صفة إنسانية، وعليه فمفاد أدلة الاستصحاب هو فرض الشيء موجودا أي على تقدير ثبوت الشيء يستصحب بقاؤه. وبعبارة أخرى إن مفاد أدلة الاستصحاب هو الملازمة فإذا فرض حدوث شيء نحكم ببقائه..
 ويرد عليه
 أولا: حينما نلحظ أدلة الاستصحاب نرى أنها ذكرت اليقين كموضوع للاستصحاب لا أنه أخذ على نحو الطريقية فقط، نعم هو طريق إلى متعلقه وكاشف عنه. فإذا نحن لا نرى صحة ما ذكر من أن اليقين لم يأخذ موضوعا وأن مفاد الاستصحاب هو جعل الملازمة فقط، وكونه كاشفا عن متعلق الاستصحاب لا ينافي أنه موضوع له.
 ثانيا: يقول صاحب الكفاية أن مفاد الاستصحاب هو جعل الملازمة بين الحدوث والبقاء.
 نقول الملازمة على قسمين: ملازمة واقعية وظاهرية.
 فما هو مرادك من كون مفاد أدلة الاستصحاب ثبوت الملازمة بين الحدوث والبقاء؟
 فإن كان مرادك الملازمة الواقعية فنقول إن كلامك في غير محله ومثل هذه الملازمة لا يعلمها إلا الله.
 ثم إن القول بالملازمة الواقعية يجعل من الاستصحاب أمارة وليس أصلا عمليا وهو خلف. لأنه إن كانت أدلة الاستصحاب تدل على ثبوت الشيخ تارة يعبر بالثبوت وأخرى بأنها دالة - الملازمة بين الحدوث والبقاء فتكون حاكية عن اللازم وهو البقاء من خلال الإخبار عن الملزوم ، وعندما تكون حاكية فتكون أمارة وليس أصلا عمليا لأن الحاكي عن الملازمات الواقعية هو الأمارات وليس الاستصحاب
 وإذا كان مرادك الملازمة الظاهرية بين الحدوث والبقاء فهذا يعني الملازمة بين حدوث التنجيز وبقائه، والمنجز قد يكون العلم تفصيلي أو إجمالي وقد يكون الأمارة وقد يكون الأصل وقد يكون الاحتمال كما في الشبهات قبل الفحص حيث يجب عقلا عدم مخالفة ما يحتمل فيه العقاب.
 وأيا كان المنجز فليس عندنا ملازمة بين حصول التنجيز وبقائه كما لو علمت إجمالا بنجاسة أحد الإناءين فتنجز اجتنابهما جميعا، فإن هذا التنجيز قد ينحل من خلال قيام أمارة على أن النجس هو أحدهما بعينه فحينا لم يلزم من حدوث التنجيز بالنسبة للإناء الآخر بقائه، ولا فرق بين هذا المثال وما نحن فيه
 إذا كيف والحال هذا يكون عندنا ملازمة بين حدوث التنجيز وبقائه، وحتى صاحب الكفاية نفسه لا يقول بذلك بل اعترض على الإخباريين حينما ذهبوا إلى لزوم الاحتياط في كل ما يحتمل وجوبه أو حرمته لعلمنا الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات في الشريعة، وقال بانحلال العلم الإجمالي الكبير بعدما فحصنا وعثرنا على واجبات ومحرمات في الشريعة الإسلامية. إذا فالتنجيز باعتراف صاحب الكفاية نفسه قد يحدث ولا يبقى.
 وبناء على ما تقدم فلا يمكن القول لا بالملازمة الواقعية ولا الظاهرية.
 الطالب: لعل المراد الملازمة الظاهرية بمعنى أن ما حدث يبقى بمقتضى طبعه وظاهر الحال إلا ما أخرجه الدليل وما دلت عليه الأمارة مثلا؟
 الشيخ: الكلام في أنه إذا حدث بقي ولم يقل إلا ما دل عليه دليل وإلا لو دل عليه الدليل لخرج عن أصل البحث، هو يقول أن أدلة الاستصحاب جعلت ملازمة بين الحدوث والبقاء.
 نقول لصاحب الكفاية أنه وبناء على مبناك الذي يقول أن الأمارة ليست كاشفة وإنما منجزة للتكليف إذا أصابت ومعذرة إذا أخطأت ( أي أن المجعول فيها هو المنجزية والمعذرية وليس الطريقية والكاشفية)، لا يمكن الاستصحاب في مورد قيام الأمارة على شيء ، وهو إشكال مستحكم، لأن لسان الأدلة تحدث عن اليقين، فحتى لو قلنا أن اليقين أخذ بما هو كاشف وعليه فلا يجري الاستصحاب مع وجود الإمارة لعدم كاشفيتها وحكايتها عن الواقع عندكم وعليه فبناء على ما ذهبتم إليه لا يجري الاستصحاب إلا مع اليقين لأنه عنده لا بد من وجود يقين متيقن وهنا مع الأمارة ليس عندنا مثل هذا اليقين.
 فالإشكال كما ذكرنا محكم بناء على مبنى صاحب الكفاية.
 أما بالنسبة لنا فنحن في غنى عن هذا البحث لأننا أبطلنا كون مفاد الأمارة المعذرية و المنجزية، وقلنا هناك بأن المنجزية والمعذرية لازم عقلي للإطاعة والعصيان، وأن المجعول في الأمارة الكاشفية والحكاية، وعليه فبما أن اليقين في أدلة الاستصحاب أخذ بما هو كاشف وحاك عن الواقع أمكن لنا استصحاب ما قامت عليه الإمارة كونها كاشفة وحاكية عن الواقع وكون الشارع تمم كاشفية الأمارة أي أمضى العمل بها ونزلها منزلة العلم، فأصبح للعلم فردان فرد متعارف وهو الحقيقي وفرد غير متعارف نعبر عنه بالاعتباري وعليه فحينما تقوم الإمارة على شيء ونشك في بقائه يصدق في المقام لا تنقض اليقين بالشك لأن الشارع جعلها يقينا تعبدا.
 أما بالنسبة للأصول العملية وبشكل مختصر حتى ننهي هذا البحث ونأتي إلى بحث استصحاب الكلي:
 فهل يجري الاستصحاب في الأصول العملية، فلو شككت مثلا بأن هذا الذي أمامي بول أم ماء أبني على الطهارة لأن " كل شيء لك طهارة حتى تعلم أنه نجس ". في معتبرة غياث بن ابراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: قال علي عليه السلام : لا أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم.
 شاهد الحال: إذا أثبتنا حلية شيء أو طهارته بقاعدة الحل أو الطهارة ثم شككنا في حليته أو في طهارته فهل نستصحب الحلية أو لا.
 إنصافا لا معنى للاستصحاب هنا لأن نفس قاعدة الطهارة أو الحلية تكفي للحكم بحليته أو طهارته ما لم تعلم بالخلاف.
 وللكلام تتمة تأتي