الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

32/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول/ الاستصحاب/ الأحكام الوضعية / أقسام الحكم الوضعي
 كان الكلام في التفصيل بين الأحكام الوضعية والتكليفيّة بالنسبة لجريان الاستصحاب، وقلنا أن الفرق بينهما راجع إلى أن الحكم الشرعي الصادر من المولى عز وجل هو عبارة عن الاعتبار، والاعتبار هو فعل اختياري للمولى إذا صب مباشرة على فعل المكلف يكون فعل تكليفي، مثل الوجوب والحرمة والكراهة والاستحباب والإباحة فهذه متعلقة بأفعال المكلفين مباشرة، وفيها زجر وبعث ونهي وإلى آخره، أما الأحكام الوضعية لا يوجد فيها لا بعث ولا زجر وهي لا تتعلق مباشرة بأفعال المكلف وإن كان لها نحو تعلق بالتبع أو ما أشبه ذلك لكن مباشرة لا تتعلق بأفعال المكلف.
 أقسام الحكم الوضعي
 اختلف الأصوليون في أقسام الحكم الوضعي ، فبعضهم يقول ثلاثة أقسام وبعضهم يقول خمسة وبعضهم يقول سبعة وبعضهم يقول تسعة وبعضهم يقول لا حصر له فكل ما هو ليس بحكم تكليفي هو حكم وضعي.
 ونحن لسنا في مقام بيان حقيقة الحكم الوضعي و كم قسم، ولكن لأن هذا البحث لا يبحث في علم آخر وبما أن البحث هو في جريان أو عدم جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي كان من المناسب الكلام حول الحكم الوضعي بحيث لا يكون إيجازا مخلا ولا إطنابا مملا وخير الأمور أوسطها.
 تقسيم صاحب الكفاية
 قسم صاحب الكفاية رحمه الله الحكم الوضعي إلى ثلاثة أقسام:
 القسم الأول: وهو ما لا يقبل الجعل التشريعي ولا يتعلق بالتكليف لا استقلالا ولا تبعا، لأن هذا القسم هو أمر خارجي وهو أمر حقيقي فكيف يكون مجعولا، هذا القسم صار خلط فيه بين شرائط الجعل وهي المصالح والمفاسد وبين شرائط المجعول ، شرائط الوجوب، شرائط الوجوب إنصافا مجعولة لكن بتبع التكليف، أما حينما يقول المولى: حج لكن بشرط الاستطاعة بقيد الاستطاعة فانتزعنا الشرطية، انتزعناها لما جعل المولى التكليف مقيدا بالاستطاعة، حينما أمرنا المولى بالصيام لكن بشرط الحضور انتزعنا الشرط لكن بشرط أن يكون مقيما.
  والمصالح والمفاسد تكون في الأحكام الشرعية، فالحكم الشرعي ناشئ عن مصلحة أو مفسدة، الوجوب والاستحباب عن مصلحة، الحرمة والكراهة عن مفسدة. لكن هذه المصلحة والمفسدة بالفعل لم تقتضي الجعل فهي إما موجودة وإما غير موجودة ليس إلا فقط، فهذه المصالح موجودة في الأفعال وهناك مفاسد موجودة في الأفعال، لا معنى للجعل التشريعي لها أبدا فكيف للمولى أن يجعل شيئا هو متأصل في الخارج ،وحقيقي، لكن هذا القسم من الأحكام الوضعية ليس مجعولا لكن لماذا جعله حكم وضعي، جعله كذلك لأن الأحكام تابعة له أن الأحكام ناشئة منه، لأننا نحن على المذهب الصحيح عندنا الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد متعلقاتها فلو فرض أن متعلق الحكم لا يوجد فيه مصلحة أو مفسدة لا يشرعه المولى بالوجوب والاستحباب أو الحرمة والكراهة الحكم تابع للمصلحة والمفسدة، فسمي حكم وضعي باعتبار أن الأحكام ناشئة عن مصالح ومفاسد لذا سمي حكما وضعيا يعني هو مبدأ للحكم وطبعا هذا الحكم الوضعي ليس منتزعا من التكليف لأن التكليف متأخر عنه، فلأن هناك مصلحة مثلا شرع المولى الحكم الكذائي فكيف ينتزع من الحكم والحكم متأخر عنه. هذا القسم إنصافا لا ينبغي أن يعبر عن هذا القسم أي ما كان منشأ للحكم مبنيا على المصالح والمفاسد لا ينبغي أن يعبر عنها بأحكام موضوعية إنما هي مصالح ومفاسد ينتج عنها الحكم الشرعي، هي مبدأ...، نعم لعل صاحب الكفاية يريد أن يشير إلى أن ما كان من شرائط الحكم يسمى الحكم الوضعي كالاستطاعة فهي شرط وجوب الحج، لولا الاستطاعة وبقية الشرائط أيضا - لا يصبح الحج وجوبا فعليا، فلعل صاحب الكفاية يريد أن يقول أن شرائط المجعول أي قيودات المجعول هي أحكام وضعية، مثلا لما رأينا المولى جعل الاستطاعة شرطا في وجوب الحج (ولله على الناس ...من استطاع...) فانتزعنا الشرطية منها، هنا لما انتزعنا الشرطية الشرطية حكم وضعي بالنسبة للتكليف، لأن الاستطاعة أخذت قيدا في التكليف.
 القسم الثاني:
 يقول عندنا قسم من الأحكام الوضعية أيضا هي شرط وسبب ومانع لكن بالنسبة للمكلف به لا للمكلف، يعني ليس شرائط التكليف وسبب التكليف وموانع التكليف، إنما شرائط وموانع لمتعلق التكليف، مثلا قال صلي مستقبلا، أو لا صلاة إلا بطهور، فهمنا أن الطهارة شرط فانتزعنا الشرطية، لكنه شرط للمكلف به أي للفعل للصلاة لا للتكليف أبدا، وهكذا مثلا لما قال لا تصلي في الحرير لا تصلي في النجس... ، ننتزع منها أن الحرير مانع أن النجاسة مانع انتزعنا المانعية لكن كيف انتزعناها، انتزعناها عندما اعتبر المولى عدم هذه الأمور في التكليف، فلما اعتبرها الشارع انتزعنا منها المانعية.
 هنا حكم وضعي صحيح، لكن منتزع من حيث جعل متعلق التكليف مقيدا بشيء أو بعدم شيء لا التكليف بل متعلق التكليف، وحينئذ انتزعنا الشرطية والمانعية، طبعا هناك شيء موجود يقال له السببية فتارة هناك شرط وتارة هناك سبب وفي الواقع لا يوجد فرق بين السبب والشرط ولكن اصطلاحا يقولون هذا مثلا يقول الفقهاء، الاستطاعة شرط وجوب الحج، كونك غير مسبل شرط في وجوب الصلاة وتارة يقولون العقد سبب في الملكية الحيازة سبب في الملكية، فلماذا هنا سبب وهناك شرط ، هو اصطلاح ليس إلا، فحينما نقول من حاز ملك لا نقول الحيازة شرط في الملك وإنما سبب، وحينما تقول المرأة أنكحتك نفسي على كذا... وقال الرجل قبلت، تقول أن النكاح سبب في العلقة الزوجية ولا تقول شرط، هو اصطلاح لو عبرنا عنه بشرط فلا بأس به ولكن اصطلاح.
 على كل حال هذا القسم الثاني أي الأحكام الوضعية هو ينتزع من جعل المكلف بشيء أو مكلفا بعدمه.
 القسم الثالث:
 ما كان فيه الحكم الوضعي مجعولا بالاستقلال كالملكية والزوجية، فهما مجعولان بالاستقلال لا بالتبع، عندنا من حاز ملك والحيازة هنا مجعولة بالاستقلال، ليست تابعة لشيء ليست ناشئة من شيء. فإن قلت أنها منتزعة من جواز التصرف في هذا الشيء نقول إن جواز التصرف مترتب على الملك وليس العكس أي بعد أن كان ملكا له جاز له التصرف به، مثلا موت المورث سبب في الملكية، فإذا مات المورث وتوفرت بعض الشرائط يرث الأبناء وهنا واضح أنها مستقلة وجواز تصرفهم بالأموال متفرع عن الملكية. إذا هذا يكون جعلا مستقلا، مثلا ورد عندنا أنه إذا قالت له كذا وكذا فهي زوجة له، هذا مجعول بالاستقلال، ثم يترتب عليه أحكام بعد ذلك، بعد أن أوجدها الشارع يترتب عليها أحكام تكليفية لكن الشارع جعلها بالاستقلال أنشأ الزوجية وليست تابعة لشيء، لا أن الزوجية تابعة لجواز الوطء فلما رأينا أنه جاز لو الوطء دون الآخرين قلنا أصبحت زوجة له، فالشرطية منتزعة من هذا،
  هذه الأقسام إنصافا موجودة، بعضهم قال نحن نزيد على هذه الأقسام فليست الأحكام الوضعية هذه الثلاثة فقط. لكنه سلك طريقا وسطا فلا هو عمم الأحكام الوضعية لكل ما هو ليس بحكم تكليفي ولا أنه اقتصر على هذه الثلاثة. هناك بعض الأمور اختلفوا في كونها حكما وضعيا أو لا منها الطهارة والنجاسة فهل هي من الأحكام الوضعية أم لا؟ بعضهم قال أن الطهارة والنجاسة ليست حكما وضعيا أبدا، لماذا؟ قال ما معنى الطهارة؟ النظافة . ما معنى النجاسة؟ القذارة. فالمولى حينما يقول هذا طاهر فهو إخبار أن هذا نظيف، وحينما يقول هذا نجس فهو إخبار بأن هذا قذر لا أن الشارع حكم بالطهارة والنجاسة. إذا الطهارة والنجاسة ليست من الأحكام الوضعية وإنما الشارع يخبر عن وجود النظافة الواقعية في شيء والقذارة الواقعية في شيء آخر. هذا الكلام لم يكتب له التوفيق لماذا؟ أصلا هذا الكلام في غير محله: أولا تعالوا إلى ظواهر الأدلة: عندما يحكم المولى بنجاسة أشياء مثلا ابن أبي يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام: إياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت هو شرهم، إن الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب والخنزير وإن الناصب لنا أهل البيت أنجس منهما، ظاهرها ماذا؟ الشارع حكم بنجاسة هؤلاء الأصناف لا أنه أخبر عن وجود القذارة الواقعية فيهم، فلا يمكن القبول بهذا الأمر إنصافا أولا هو خلاف ظواهر الأدلة وثانيا أن الوجدان لا يقبل به.
 وللحديث تتمة تأتي غدا إن شاء الله