الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/02/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب البیع/ المعاملات/

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ مقتضى الجمع العرفيّ حمل الرِّوايات المانعة على الكراهة لأجل هذه الرِّوايات الدَّالّة على الجواز، لاسيَّما أنَّها أصحّ من تلك الرِّوايات، وأكثر عدداً، وأصرح منها من حيث الدَّلالة.

وبالأخصّ أيضاً أنَّ صحيحة يعقوب، وعليّ بن جعفر، وحسنة الحلبيّ، مشتملة على التَّعليل (أنَّه إن لم يخرج العام يخرج في العام الآخر)، فإنَّه إشارة واضحة إلى الوجه المُصحّح للبيع في هذه الصُّورة.

ولأجل هذه الرِّوايات المُجوِّزة نخصّص قاعدة (الثَّمرة المعدومة لا تصلح للنَّقل قبل وجودها)، وكذا قاعدة بطلان البيع الغرريّ، وهذا ليس أوَّل قارورة كُسِرت في الإسلام.

وأمَّا إجماع ابن إدريس (رحمه الله)، فمردود عليه: بما ذكره المُصنِّف (رحمه الله) في غاية المراد من (أنَّ الأصحاب لم يذكروه صريحاً، ولا تعرض للمنع إلَّا جماعة منهم...)[1] .

وفي مفتاح الكرامة: (لیس فی المقنعة والنِّهایة والمبسوط والمراسم والوسیلة والغنیة وکشف الرُّموز ذکر، ولا تصریح بجواز و[لا] منع، ولم ینقل أحد ذلك عن الحسن وأبي عليّ والقاضي والتقيِّ، [بل لم أجد من صرَّح بالمنع قبل الفاضل])[2] .

أضف إلى ذلك: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد غير مشمولٍ لأدلَّة حُجِّيّة خبر الواحد.

والخُلاصة إلى هنا: أنَّ الإنصاف هو الجواز، والله العالم.

 

قول الماتن: (ولو باعها قبل ظُهورها منضمَّةً احتمل ابن إدريس جوازه، ولو عاماً واحداً، ثمَّ أفتى بالمنع، وهو الأصحّ، والجواز رواه سُماعة)

 

اِختلف الأعلام في جواز بيع الثَّمرة قبل ظُهورها مع الضَّميمة.

قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك -بعد أنِ ادَّعى عدم الخلاف في المنع مع عدم الضَّميمة-: (والمشهور المنع مع الضَّميمة أيضاً، حيث لا تكون الضَّميمة هي المقصودة بالبيع؛ لأنَّه غرر)[3]

وأمَّا ابن إدريس (رحمه الله)، فقد ذهب أوَّلاً إلى الجواز، ثمَّ اختار المنع، قال في السَّرائر: (فأمَّا إذا باعها ومعها شيءٌ آخر منضمّاً إلى العقد سنةً واحدةً قبل خُروجها، فالأَولى أن يُقال: لا بأس بذلك، فإن قيل: هذا غرر، قلنا الشَّيء المنضمّ إلى العقد، يخرجه من كونه غرراً، والَّذي اعتمده، وأعمل عليه وأفتي به، أنَّه لا يصحّ بيعها قبل أن تطلع ومعها شيء آخر، لأنّ البيع حكم شرعيّ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعيّ، و لا دليل على ذلك...)[4]

قال المُصنِّف (رحمه الله) -بعد ذكر رأي ابن إدريس (رحمه الله)-: (وهو الأصح).

أقول: الأصحُّ هو الجواز، وإن لم تكن الضَّميمة هي المقصودة بالبيع، خلافاً لما يفهم من كلام صاحب المسالك (رحمه الله) وغيره من التَّفصيل بين كون الضَّميمة هما المقصودة بالبيع والثَّمرة تابعة، فيصحّ البيع، كما لو باعه الأصل والثَّمرة، وبين ما لم تكن مقصودةً، بل جعلت الضَّميمة تابعةً، فلا يصحّ.

والإنصاف: هو الجواز مطلقاً؛ وذلك لموثَّقة سُماعة المُتقدِّمة (قَاْل: سألتُه عن بيع الثَّمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا، إلَّا أن يشتري معها شيئاً غيرها رطبةً أو بقلاً، فيقول: أشتري منّك هذه الرَّطبة وهذا النَّخل، وهذا الشَّجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج الثَّمرة كان رأس مال المشتري في الرَّطبة والبقل...)[5]

وهي ظاهرة جدًّا في كون الضَّميمة تابعة، وليست هي المقصودة بالبيع، فحمل هذه الموثَّقة على كون الضَّميمة هي المقصودة بالبيع والثَّمرة تابعة لها هو خلاف الظَّاهر لا موجب له، ونحن مأمورون بالعمل بالظَّاهر ما لم تكن قرينة على الخلاف.

وممَّا يؤيِّد ذلك: اتِّفاق الأعلام على الصِّحّة مع الضَّميمة المعلومة تبعيّتها في غير موضعٍ، فما يحكمون فيه ببطلان العقد لولا الضَّميمة.

وأمَّا القول: بأنَّ الرِّوايّة مقطوعةٌ، فقد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ مضمرات سُماعة مقبولة، والله العالم.

* * *

 

قول الماتن: (ولو ظهرت، ولما يبدو صلاحها وباعها أزيد من عام، أو مع الأصل، أو بشرط القطع، أو مع الضَّميمة، صحّ)

 

المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز بيع الثَّمرة بعد ظُهورها وقبل بدوّ صلاحها إذا كان أزيد من عام.

وأمَّا إذا كان عاماً، فيصحّ بشرط بيعها مع الأصل، أو بشرط القطع، أو مع الضَّميمة.

وفي الجواهر: (أنَّه لا خلاف ولا إشكال في جواز البيع بعد الظُّهور قبل البدوّ إذا حصل أحد الأُمور الثَّلاثة أو الأربعة، بناءً على أن بيعها مع الأصول ليس من الضَّميمة...)[6]

أقول: أمَّا جواز البيع بعد الظُهور، وقبل البدوّ إذا كان سنتَيْن وما فوق، فلا خلاف فيه أصلاً.

ومن هنا، قال ابن إدريس (رحمه الله): (فإن كان سنتَيْن فصاعداً، فإنَّه يجوز عندنا معشر الإماميَّة القائلَيْن بمذهب أهل البيت (عليهم‌السَّلام)...)[7]

بل ذكرنا سابقاً أنَّه يجوز بيعها على كراهة قبل ظُهور الثَّمرة إذا كان ذلك أزيد من عامَيْن فبعد الظُهور، ويجوز ذلك بالأولويّة.

 


[1] غاية المراد: ج2، ص43.
[2] مفتاح الكرامة: ج13، ص460، الجواهر: ج24، ص57.
[3] المسالك: ج3 ص353.
[4] السرائر: ج2، ص360و361.
[5] الوسائل باب3 من أبواب بيع الثِّمار ح1.
[6] الجواهر: ج24، ص68.
[7] السَّرائر: ج2، ص358.