46/02/29
الموضوع: كتاب البيع/ المعاملات/
قوله: (والمشهور عدم جوازه أزيد من عام، ولم يخالف فيه، إلَّا الصَّدوق؛ لصحيحة يعقوب بن شُعيب، وحُملت على عدم بدوّ الصَّلاح)
اِختلف الأعلام في جواز بيع الثَّمرة قبل ظُهورها أزيد من عام واحد، فالمشهور بين الأعلام عدم الجواز.
وفي الجواهر: (فالمشهور نقلاً، وبين المتأخِّرين تحصيلاً، العدم أيضاً...)[1] .
قال العلَّامة (رحمه الله) في المختلف: (المشهور أنَّه لا يجوز بيع الثَّمرة قبل ظُهورها لا عاماً واحداً ولا عامَيْن، أمَّا العام الواحد فبالإجماع، ولأنَّه بيع عين معدومة فلا يصحّ، وأمَّا بيعها عامَيْن فالمشهور أنَّه كذلك...)[2] .
وقدِ ادَّعى ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر الإجماع على عدم الجواز، حيث قال فيها: (وقد اشتبه على كثير من أصحابنا ذلك، ويظنُّون أنَّه يجوز بيعها سنتَيْن، وإن كانت فارغةً لم تطلع بعدُ وقت العقد، وهذا خلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا، وخلاف إجماعهم، وأخبار أئمّتهم وفتاواهم...).
وبالمقابل، ذهب إلى الجواز الصَّدوق (رحمه الله) في المقنع، والعلَّامة (رحمه الله) في التَّذكرة، ونقله بعض الأعلام عن الشَّيخ أيضاً، بل عبارة ابن إدريس (رحمه الله) تدلّ على أنَّ الَّذي ذهب إلى الجواز كثير من الأعلام، حيث قال: (وقدِ اشتبه على كثير من أصحابنا ذلك...).
وفي جامع المقاصد: (أنَّ الجواز لا يخلو من قوَّة).
وفي الجواهر: (أنَّ الجواز لا يخلو من قوَّة، وإن كان الأحوط خلافه)[3] .
أقول: أمَّا مَنْ ذهب إلى عدم الجواز، فقدِ استدلّ له:
أوَّلاً: بكون الثَّمرة معدومة لا تصلح للنَّقل قبل وجودها.
وثانياً: أنَّه بيع غرريّ، وهو باطل.
وثالثاً: بإجماع ابن إدريس (رحمه الله) المتقدّم.
ورابعاً: لجملة من الرِّوايات:
منها: رواية أبي بصير المُتقدِّمة (قَاْل: سُئل عنِ النَّخل والثَّمرة يبتاعها الرَّجل عاماً واحداً قبل أن يُثمر؟ قَاْل: لا، حتَّى تُثمر وتأمن ثمرتها من الآفة، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام...)[4] .
ومفهوم الشَّرط فيها: إذا لم تثمر فلا تبعها أربعة أعوام.
ولكنَّها ضعيفة، كما عرفت بعليّ بن أبي حمزة البطائنيّ.
ومنها: مفهوم رواية أبي ربيع الشَّاميّ المُتقدِّمة.
وهي ضعيفة بجهالة أبي ربيع الشَّاميّ.
ومنها: موثَّقة سُماعة المُتقدِّمة أيضاً: (قَاْل: سألتُه عن بيع الثَّمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طَلْعها؟ فقال: لا، إلَّا أن يشتري معها شيئاً غيرها رطبةً أو بقلاً...).[5]
وهي مطلقة من حيث كون البيع لسنة واحدة أو أزيد.
ومنها: الرِّوايات الَّتي علّقت الجواز على الإطعام والبلوغ والإدراك، ونحو ذلك، وهي كثيرة يأتي بعضها -إن شاء الله تعالى-.
وأمَّا من ذهب إلى الجواز، فقد استدل له بجملة من الرِّوايات:
منها: الرِّوايات المُتقدِّمة المستدلّ بها على الجواز لو بيعت لعام واحد.
ومنها: حسنة الحلبيّ المُتقدِّمة (قَاْل: سُئل أبو عبد الله عليهالسلام عن شراء النَّخل والكرم والثِّمار ثلاث سنين أو أربع سنين؟ فقال: لا بأس، تقول: إن لم يخرج في هذه السَّنة أخرج في قابل، وإنِ اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتَّى يبلغ، وإنِ اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس...)[6] .
ومنها: صحيحة يعقوب بن شُعيب (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليهالسلام عن شراء النَّخل؟ فقال: كان أبي يكره شراء النَّخل قبل أن تطلع ثمرة السَّنة، ولكن السَّنتَيْن والثَّلاث كان يقول: إن لم يحمل في هذه السَّنة حمل في السَّنة الأُخرى، قال يعقوب: وسألته عن الرَّجل يبتاع النَّخل والفاكهة قبل أن يطلع سنتَيْن أو ثلاث سنين أو أربعاً؟ قال: لا بأس، إنَّما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتَّى يستبين)[7] ، وهي واضحة جدًّا.
وقد حملها جماعة من الأعلام -منهم المُصنِّف (رحمه الله)- على ظُهور الثَّمرة قبل بدوّ صلاحها.
ولكن لا يخفى عليك بُعد هذا الحمل؛ لأنَّ السُّؤال الثَّاني في الصَّحيحة إنَّما وقع عن الثَّمرة قبل أن تطلع، ومع هذا أجاب (عليهالسَّلام) بنفي البأس.
ومنها: رواية معاوية بن ميسرة (قَاْل: سألت أبا عبد الله (عليهالسَّلام) عن بيع النَّخل سنتَيْن؟ قال: لا بأس به...) [8] .
وهي ضعيفة بسهل بن زياد، وعدم وثاقة معاوية بن ميسرة.
ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر المرويّة في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسَّلام) (قال: وسألته عن شراء النَّخل سنتَيْن أيحلّ؟ قَاْل: لا بأس، يقول: إن لم يخرج العام شيئاً أخرج القابل إن شاء الله)[9] .