الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الصوم

 

ومنها: حسنة حمران في الكافي، وصحيحته في ثواب الأعمال للشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) (أنَّه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}؟ قَاْل: نعم، ليلة القدر، وهي في كلِّ سنةٍ في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلَّا في ليلة القدر، قال الله عزّوجلّ: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}، قَاْل: يُقدّر في ليلة القدر كلُّ شيءٍ يكون في تلك السَّنة إلى مثلها من قابل، من خير وشرّ، وطاعة ومعصية، ومولود، وأجل، ورزق، فما قُدِّر في تلك السَّنة وقُضي فهو المحتوم، ولله عزّوجلّ فيه المشيَّة، قَاْل: قلتُ: ليلة القدر خير من ألف شهر، أي شيءٍ عنى بذلك؟ فقال: العمل الصَّالح فيها من الصَّلاة والزَّكاة، وأنواع الخير، خيرٌ من العمل في ألف شهرٍ ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يُضاعِف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا، ولكنَّ الله يُضاعِف لهم الحسنات)[1] .

وفي بعض الرِّوايات أنَّ الله جعل ليلة القدر لنبيّه (صلى الله عليه وآله) خيراً من ألف شهر ملك بني أمية.

كما في رواية عليّ بن عيسى القمَّاط، عن عمِّه، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: أُري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه بني أُميّة يصعدون على منبره من بعده، ويُضلُّون النَّاس عن الصِّراط القهقريّ، فأصبح كئيباً حزيناً ـإلى أن قال:ـ فأنزل عليه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، جعل الله عزَّوجلّ ليلة القدر لنبيِّه عليه‌السلام خيراً من ألف شهرٍ ملك بني أُميَّة)[2] .

إلَّا أنَّها ضعيفة بجهالة عليِّ بن عيسى القمَّاط، وعمِّه.

- علامة ليلة القدر

وأمَّا الأمر الثَّاني: ففي صحيحة مُحمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السَّلام) (قَاْل: سألتُه عن علامة ليلة القدر؟ فقال: علامتها أن يطيبَ ريحُها، وإن كانت في برد دُفئت، وإن كانت في حرّ بردت فطابت، قَاْل: وسُئل عن ليلة القدر؟ فقال: تنزَّل فيها الملائكة والكتبة إلى السَّماء الدُّنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السَّنة، وما يصيب العباد، وأمر عنده موقوف، وفيه المشيَّة، فيُقدَّم ما يشاء، ويُؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أُمّ الكتاب)[3] .

***

 

قوله: (وقراءة سُورتي العنكبوت، والُّروم، في ليلة ثلاث وعشرين)

 

تدلُّ على ذلك: رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: مَنْ قرأ سورة العنكبوت والرُّوم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو ـوالله! يا أبا مُحمّدـ من أهل الجنَّة، لا أستثني فيه أبداً، ولا أخاف أن يكتب الله عليَّ في يميني إثماً، وإن لهاتَيْن السُّورتَيْن من الله مكاناً)[4] .

ولكنَّها ضعيفة بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ، وأبيه، كما أنَّ مُحمّد بن حسَّان غير موثَّقٍ.

- هل قراءة ليلة القدر ألف مرّةٍ ثابتٌ؟

وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه يُستحبّ أيضاً قراءة القدر في ليلة ثلاث وعشرين ألف مرّةٍ.

وقدِ استُدلّ لذلك: برواية أبي يحيى الصَّنعانيّ، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قَاْل: لو قرأ رجل ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} ألف مرّةٍ لأصبح وهو شديد اليقين بالاعتراف بما يختصّ فينا، وما ذلك إلَّا لشيءٍ عاينه في نومه)[5] .

وهي ضعيفة بالإرسال، حيث لم يذكر الشَّيخ (رحمه الله) سنده إلى أبي يحيى، لا في المصباح، ولا في التَّهذيب، ولا في الفهرست، كما أنَّها مرسلة في المقنعة، وضعيفة أيضاً، وبعدم وثاقة أبي يحيى الصَّنعانيّ، واسمه عمر بن ثوبة.

 

قوله: (والاعتكاف في العَشْر الأواخر)

 

يدلّ على ذلك جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث- (قَاْل: كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضُربت له قبة من شعر، وشمَّر المِئزر، وطوى فراشه)[6] .

وقول: (شمّر المئزر)، يمكن أنَّ يكون كنايةً عن جِدّه للعبادة، وإحياء اللَّيالي.

ويمكن أن يكون أيضاً كنايةً عن ترْك المجامعة، واعتزاله النِّساء.

وأمَّا قوله: (وطوى فراشه)، فهو كناية عن ترك النَّوم.

ومنها: رواية أبي العبَّاس، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: اعتكف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شهر رمضان في العشر الأولى، ثمَّ اعتكف في الثَّانية في العشر الوسطى، ثمَّ اعتكف في الثَّالثة في العشر الأواخر، ثمَّ لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعتكف في العشر الأواخر)[7] (7).

وهي ضعيفة؛ لأنَّ في إسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى داود ابن الحصين الحكمَ بن مسكين، وهو غير موثّقٍ، كما أنَّها ضعيفة في الكافي بسهل بن زياد.

ومنها: صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: لا اعتكاف إلَّا في العشرين من شهر رمضان...)[8] .

وإسناد الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى أحمد بن مُحمّد صحيح.

والمراد من أحمد بن مُحمّد: هو البزنطيّ.

نعم، هي ضعيفة بطريق الكُلينيّ، وطريق الشَّيخ بسهل بن زياد.

والمراد من نفي الاعتكاف في غيره: هو نفي الكمال.

 

قوله: (والمواظبة على النَّوافل المختصَّة به، بدعواتها المأثورة)

ذكرنا هذه المسألة بالتَّفصيل في باب الصَّلاة عند قول المصنِّف (رحمه الله): (ويُستحبّ نافلة شهر رمضان، خلافاً للصَّدوق، وهي ألف ركعةٍ، خمسمائة في العشرين الأوَّلين، لكلِّ ليلةٍ عشرون...)[9]


[1] الوسائل باب31 من أبواب أحكام شهر رمضان ح3.
[2] الوسائل باب31 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.
[3] الوسائل باب31 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.
[4] الوسائل باب33 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.
[5] الوسائل باب33 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2.
[6] الوسائل باب1 من أبواب آداب الصَّائم ح1و4.
[7] الوسائل باب1 من أبواب آداب الصَّائم ح1و4.
[8] الوسائل باب1 من أبواب الاعتكاف ح5، وفي باب3 من أبواب الاعتكاف ح10، وفي الفقيه: ج2، ص120، ح521.
[9] ذكرنا ذلك في مدارك الدُّروس (الصَّلاة): ج6، ص39.