الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه

46/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: کتاب الصوم

ومنها: رواية مُحمّد بن يوسف الصنعاني، عن أبيه (قَاْل: سمعتُ أبا جعفر عليه‌السلام يقول: إنَّ الجُهنيّ أتى النَّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا رسول الله! إنَّ لي إبلاً وغنماً وغلَّةً، فأحبَّ أن تأمرني بليلة أدخل فيها، فأشهد الصَّلاة، وذلك في شهر رمضان، فدعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فسارَّه في أُذُنه، فكان الجُهنيّ إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى مكانه)[1] .

وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن السِّنديّ، ويوسف الصَّنعانيّ.

قال الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه: (وَاسْمُ الْجُهَنِيِّ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ)[2] .

ومنها: رواية أبي حمزة الثَّماليّ (قَاْل: كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو بصير: جعلتُ فداك، اللَّيلة الَّتي يُرجى فيها ما يُرجى؟ فقال: في ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، قَاْل: فإنْ لم أقوَ على كلتيهما، فقال: ما أيسر ليلتَيْن فيما تطلب؟! قَاْل: قلتُ: فربَّما رأينا الهلال عندنا، وجاءنا مَنْ يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أُخرى؟ فقال: ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها، قلتُ: جعلت فداك، ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجُهنيّ؟ فقال: إنَّ ذلك ليُقال، قلت: جعلتُ فداك، إنَّ سليمان بن خالد روى في تسع عشرة يكتب وفد الحاج، فقال لي: يا أبا مُحمّد، وفد الحاج يكتب في ليلة القدر، والمنايا والبلايا والأرزاق، وما يكون إلى مثلها في قابل، فاطلبها في ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وصلِّ في كلِّ واحدةٍ منهما مائة ركعةٍ، وأحيهما إنِ استطعت إلى النُّور، واغتسل فيهما، قَاْل: قلتُ: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قَاْل: فصلِّ وأنت جالس، قلتُ: فإن لم أستطع؟ قَاْل: فعلى فراشك، (قلتُ: فإن لم أستطع؟ قال:) لا عليك أن تكتحل أوَّل اللَّيل بشيءٍ من النَّوم، إنَّ أبواب السَّماء تفتح في رمضان، وتصفد الشَّياطين، وتقبل أعمال المؤمنين، نِعمَ الشَّهر رمضان، كان يُسمَّى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: المرزوق)[3]

وهي ضعيفة بالقاسم بن مُحمّد الجوهريّ، فإنَّه غير موثَّقٍ.

ورواها الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب بإسناده عن الحُسين بن سعيد، عن القاسم بن مُحمّد عن عليّ (قَاْل: كنتُ...).

والظَّاهر أنَّ المراد من عليّ هو ابن البطائنيّ الضَّعيف، ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام).

والظَّاهر أيضاً أنَّ المراد منه ابن البطائنيّ (رحمه الله)، وهو الإنصاف، بقرينة رواية أحمد بن مُحمّد بن أبي نصر البزنطيّ عنه.

ومنه، تعرف وقوع السَّهو في رواية الكلينيّ، وأنَّ المراد من أبي حمزة الثَّماليّ هو ابن أبي حمزة، أي البطائنيّ، والله العالم.

ومنها: صحيحة زُرارة، عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (أنّ النَّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سُئل عن ليلة القدر؟ فقام خطيباً، فقال -بعد الثَّناء على الله عزَّوجلّ-: أمَّا بعد، فإنَّكم سألتموني عن ليلة القدر، ولم أطوها عنكم لأنِّي لم أكن بها عالماً.

اِعلموا أيُّها النَّاس، إنَّه من ورد عليه شهر رمضان، وهو صحيح، فصام نهاره، وقام وِرْداً من ليله، وواظب على صلاته، وهجر إلى جمعته، وغدا إلى عيده، فقد أدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرَّبّ عزَّوجلّ، قَاْل: وقَاْل أبو عبد الله عليه‌السلام: فازوا والله! بجوائز ليست كجوائز العباد)[4] .

وكذا غيرها من الرِّوايات.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ هذه الصَّحيحة يظهر منها إخفاء ليلة القدر بالمرَّة، وبعض الرِّوايات المُتقدِّمة ظاهرها إخفاؤها في ليلتَيْن أو ثلاث.

- السَّبب في إخفاء ليلة القدر

وقد يُقال: إنَّ السَّبب -والله العالم- هو أنَّ إخفاءها بالمرَّة ليستوي الشَّهر كلّه بالأعمال الصَّالحة، وهذا هو الأنسب بغالب النَّاس، فإنَّهم متى علموها في ليلة معيَّنة فتروا عن العمل في غيرها لقلَّة الهمَّة.

وأمَّا مَنْ كانت همَّته عاليةً، فأُخفيت لهم في ليلتَيْن أو ثلاث ليوفوا هذه اللَّيالي أعمالها؛ لأنَّه، وإن علم إجمالاً أنَّ بعضها ليس من ليالي القدر، إلَّا أنَّه قريب من مرتبتها.

- الكلام في علامتها، وكونها خيرًا من ألف شهر

بقي الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: ما معنى كون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟

الثَّاني: ما هي علامة ليلة القدر؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمراد من كونها خيراً من ألف شهر هي كونها خيراً من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، كما يُستفاد من جملة من الرِّوايات.

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْلوا: قال له بعض أصحابنا، قال -ولا أعلمه إلَّا سعيد السّمَّان-: كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قَاْل: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر)[5] .

وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ قول ابن أبي عمير: (عن غير واحدٍ) لا يضرّ؛ لأنَّنا نطمئنّ أنَّ فيهم واحداً على الأقلّ ثقةٌ.

 


[1] الوسائل باب32 من أبواب أحكام شهر رمضان ح16.
[2] الفقيه -ط جماعة المدرِّسين-: ج2، ص161.
[3] الوسائل باب32 من أبواب أحكام شهر رمضان ح16و3.
[4] الوسائل باب18 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.
[5] الوسائل باب31 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2.