46/02/30
الموضوع: الصوم
قول الماتن: (ودخول الحمَّام المُضعِف)
المعروف بين الأعلام أنَّه يُكره للصَّائم دخولُ الحمَّام مع خوف الضَّعف؛ لِمَا لا يُؤمن معه من الضَّرر، أو التّعرُّض للإفطار.
واستُدلّ لذلك: بصحيحة مُحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السَّلام) أنَّه سُئِل عنِ الرَّجلِ، يدخلُ الحمَّام، وهو صائمٌ؟ فقال: لا بأسَ، ما لم يخشَ ضَعْفاً[1] .
وقد حُمِلت على الكراهة؛ للتَّسالم على عدم الحرمة.
وأمَّا ما في رواية أبي بصير قَاْل: سألتُ أبا عبد الله عليهالسلام عن الرَّجل، يدخل الحمَّام، وهو صائم؟ قَاْل: لا بأس[2] .
ففيه أوَّلا: أنَّها ضعيفة بابن البطائنيّ، وبعدم وثاقة القاسم بن مُحمّد الجوهريّ.
وثانياً: مع قطع النَّظر عن ضعفها تدلُّ على مجرّد الرُّخصة، وهذا لا ينافي الكراهة.
قول الماتن: (وشمّ الرَّياحين، وخُصوصاً النَّرجس)
في الحدائق: الرَّيحان -وهو لغةً-: كلُّ نبتٍ طيب الرِّيح، خُصوصاً النَّرجس، وكراهة شمِّ الرَّياحين ممَّا ظاهرهم الاتِّفاق عليه، قال في المنتهى: وهو قول علمائنا أجمع[3]
وفي الجواهر: بلا خلاف أجده...[4] .
قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى -بعد ذِكْر كراهة شمّ الرَّياحين: ويتأكَّد في النَّرجس، وهو قول علمائنا أجمع...[5] .
- دليلان على الكراهة
أقول: يدلُّ على كراهة شمِّ الرَّياحين -مضافاً للتَّسالم بينهم- جملة من الرِّوايات:
منها: رواية الحسن بن راشد -في حديث -قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليهالسلام: الصَّائم يشمّ الرَّيحان؟ قَاْل: لا، لأنَّه لذةٌ، ويُكره له أن يتلذَّذ[6] .
وهي ضعيفة بعدم وثاقة الحسن بن راشد.
ومنها: روايته الأُخرى، عن أبي عبد الله (عليهالسَّلام) قَاْل: الصَّائم لا يشمّ الرَّيحان[7]
وهي ضعيفة به.
ومنها: معتبرة الحسن الصَّيقل، عن أبي عبد الله (عليهالسَّلام) قَاْل: سألتُه عن الصَّائم، يلبس الثَّوب المبلول؟ فقال: لا، ولا يشمّ الرَّيحان[8] .
وهي معتبرة، فإنَّ الحسن بن زياد الصَّيقل من المعاريف، كما أنَّ إسناد الشَّيخ (رحمه الله) إلى ابن فضَّال معتبر؛ لأنَّ ابن الزُّبير القرشيّ الموجود في السَّند من المعاريف أيضاً.
وأمَّا الحسن بن بقّاح، فهو ثقة.
وأمَّا ما يدلّ على التّأكُّد في النَّرجس، فهو رواية مُحمّد بن الفيض قَاْل: سمعتُ أبا عبد الله عليهالسلام ينهى عنِ النَّرجس، فقلتُ: جعلت فداك! لِمَ ذلك؟ فقال: لأنَّه ريحان الأعاجم[9] .
وهي ضعيفة بعدم وثاقة داود بن إسحاق الحذَّاء، وجهالة مُحمّد بن الفيض.
ورواها الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن مُحمّد بن الفيض التَّميميّ، عن ابن رئاب (قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليهالسَّلام) ، وذكر مثله، إلَّا أنَّه قال: (عن النَّرجس للصَّائم).
وهي ضعيفة بمُحمّد بن الفيض.
كما أنَّ إسناده إليه ضعيف بوجود داود بن إسحاق الحذَّاء في السَّند، وهو غير موثَّقٍ.
وقال الكلينيّ (رحمه الله): وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْأَعَاجِمَ كَانَتْ تَشَمُّهُ إِذَا صَامُوا، وَقَالُوا: إِنَّهُ يُمْسِكُ الْجُوعَ[10] .
- دليلُ الحَمْل على الكراهةِ
ثمَّ لا يخفى أنَّ النَّهي عن شمِّ الرَّياحين محمولٌ على الكراهة؛ للتَّسالم بين الأعلام، ولبعض الرِّوايات المجوِّزة لشمّ الرَّياحين:
منها: صحيحة مُحمّد بن مسلم قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليهالسلام: الصَّائم يشمّ الرَّيحان والطَّيب؟ قَاْل: لا بأس به[11]
ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجّاج قَاْل: سألتُ أبا الحسن عليهالسلام عن الصَّائم، يشمُّ الرَّيحان، أم لا ترى ذلك له؟ فقال: لا بأس به[12]
وكذا غيرها.
وعليه، فمقتضى الجمع بين الرِّوايات حَمْل الرِّوايات النَّاهية عن شمِّ الرَّياحين على الكراهة.
قول الماتن: (ولا يُكره شمّ الطَّيب، بل رُوي: استحبابه للصَّائم)
المعروف بين الأعلام أنَّه لا يُكره شمّ الطّيب، وفي المدارك: ولا يُكره للصَّائم شمّ الطَّيب قطعاً...[13]
أقول: يُستفاد من بعض الرِّوايات استحبابه، إلَّا أنَّها ضعيفة:
منها: رواية الحسن بن راشد قَاْل: كان أبو عبد الله عليهالسلام إذا صام يتطيَّب بالطَّيب، ويقول: الطِّيب تحفة الصَّائم[14] .
وهي ضعيفة بعدم وثاقة الحسن بن راشد.
ومنها: مرسلة الفقيه قَاْل: سُئل الصَّادق عليهالسلام عن المُحرِم، يشمّ الرَّيحان؟ قَاْل: لا، قيل: فالصَّائم؟ قَاْل: لا، قيل: يشمّ الصَّائم الغالية والدّخنة؟ قَاْل: نعم، قيل: كيف حلّ له أن يشمّ الطّيب، ولا يشمّ الرَّيحان؟ قَاْل: لأنَّ الطّيب سنة، والرَّيحان بدعة للصَّائم [15] .
وهي أيضاً مرسلة في العِلل، وفي المحاسن.
والخُلاصة: أنَّها ضعيفة بالإرسال.
والغالية: أخلاط من الطِّيب، كالمسك، والعنبر.