الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(10)

وأمَّا لو صدر سهواً فالمعروف بين الأعلام أنَّه ليس بقاطع .

ويدل عليه جملة من النصوص:

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (في الرَّجل يسهو في الرِّكعتين ويتكلّم، فقال: يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم، ولا شيء عليه).[1]

ومنها: صحيحة عبد الرّحمان بن الحجّاج (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجل يتكلم ناسياً في الصَّلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: يتمّ صلاته، ثمَّ يسجد سجدتين ...).[2]

ومنها: صحيحة الفُضَيل بن يسار المتقدِّمة، حيث ورد فيها: (وابنِ على ما مضى من صلاتك، ما لم تنقض الصَّلاة بالكلام متعمِّداً، وإن تكلَّمتَ ناسياً فلا شيء عليك...)[3] ، وكذا غيرها من الرِّوايات.

 

قوله: (وفي الإكراه عليه، وإشارة الأخرس، والحرف المفهِم، نظر)

قد تقدّم الكلام عن الحرف المفهِم، وقلنا: إنَّه يبطل الصَّلاة لو كان ذلك عمداً، فلا حاجة للإعادة.

وأمَّا إشارة الأخرس فالإنصاف: أنَّها ليست مبطلةً للصَّلاة ، لأنَّها لا تسمَّى كلاماً حقيقةً.

وأمَّا احتمال البطلان بها، لأنَّها مثل الكلام، فهو في غير محلِّه، إذ لا دليل على أنَّ ما كان مثل الكلام يكون مبطلاً.

وأمَّا الإكراه عليه، فقال المصنِّف في الذكرى: (لو تكلَّم مكرهاً ففي الإبطال وجهان؛ "نعم"، لِصدق تعمُّد الكلام، و"لا"، لِعموم وما استكرهوا عليه؛ نعم، لا يأثم قطعاً، وقال في التذكرة: يبطل، لأنَّه منافٍ للصَّلاة، فاستوى فيهما الاختيار وعدمه، كالحدث، وهو قياس مع الفرق، فإنَّ نسيان الحدث مبطِل لا الكلام ناسياً).

وقال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (لو تكلَّم مكرهاً ففي الإبطال به تردُّد، ينشأ من كون النّبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بينه وبين الناسي في العفو؛ والأقرب: البطلان، لأنَّه تكلَّم عامداً بما ليس من الصَّلاة، والإكراه لا يخرج الفعل عن التعمُّد).

أقول: الأقوى هو البطلان لو تكلَّم مكرهاً، للأدلَّة الدالَّة على البطلان بالتكلُّم العمدي، وهي مطلقة تشمل ما لو كان مكرهاً.

وأمَّا تصحيحها بحديث الرفع (رفع عن أمتي تسعة...)، حيث عدَّ منها (وما استكرهوا عليه)، فهو في غير محلِّه، لِما ذكرناه في أكثر من مناسبة من عدم جريانه في باب الإجزاء والشَّرائط والموانع، لتثبت به صحّة المأتي به، وذلك لأنَّ المأمور به إنَّما هو الكلِّي والطبيعي الجامع بين الأفراد الطوليَّة والعرضيَّة المحدودة فيما بين الحدَّين.

وما تعلَّق به الإكراه إنَّما هو فرد من ذلك الجامع ، فما تعلَّق به الإكراه غير ما تعلَّق به الأمر، ولا بدّ من تعلُّق الرفع بعين ما تعلَّق به الوضع.

ولهذا السَّبب لا يكون الحديث الشريف متكفِّلاً لتصحيح الباقي، فلا يكون الإتيان بالناقص مجزياً؛ وكذا الكلام في الاضطرار.

نعم، لو كان الإكراه أو الاضطرار مستوعباً لتمام الوقت لشمله الحديث.

وأمَّا تصحيح الصَّلاة فيما لو تكلَّم ناسياً فهو ليس لحديث الرفع، بل للنصوص الخاصَّة وقد تقدَّم بعضها، والله العالم.

 

قوله: (ولو تكلَّم بظنِّ الخروج، بعد أن سلَّم عامداً، فالأقرب: أنَّه كالناسي، وفي النهاية: يعيد الصَّلاة بالكلام)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (لو تكلَّم عمداً لظنّه إكمال الصَّلاة، ثمَّ تبيّن عدم الانقضاء، لم تبطل في المشهور، وهو المروي في الصَّحيح بطريق الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عدم البطلان بالتسليم، وهو كلام، وبطريق علي بن النعمان -إلى أن قال: - وفي النهاية: تبطل الصَّلاة بالتكلُّم عمداً، وجعله في المبسوط روايةً، لم نقف عليها).

أقول: المعروف بين الأعلام أنَّ في حكم السَّهو ما لو ظنّ الفراغ من الصَّلاة فتكلَّم، فتكون صلاته صحيحة.

والصَّحيحة التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى هي صحيحة الحارث بن المغيرة النصري (قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّا صلَّينا المغرب، فسها الإمام، فسلَّم في الرِّكعتين، فأعدنا الصَّلاة، فقال: ولم أعدتم؟ أليس قدِ انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ركعتين، فأتم بركعتين؟! أَلَا أتممتم؟!).[4]

ولكنَّ هذه الصَّحيحة مشتملة على سهو النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وهي مخالفة لأصول المذهب وموافقة العامَّة.

وكذلك ما في موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: مَنْ حفظ سهوه فأتمَّه فليس عليه سجدتا السَّهو، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلَّى بالنَّاس الظُّهر ركعتين، ثمَّ سها، فقال له ذو الشّمالين: يا رسول الله ! أنَزَل في الصَّلاة شيء؟! فقال: وما ذاك؟ قال: إنَّما صلَّيت ركعتين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أتقولون مثل قوله، فقالوا: نعم، فقام فأتمّ بهم الصَّلاة، وسجد سجدتي السهو...)[5] ، فيردّ علمهما إلى أهلها، وهم أولى بها، لأنَّها مخالفة لأصول المذهب.

وأمَّا رواية عليّ بن النعمان الرَّازي التي أشار إليها المصنِّف (رحمه الله) (قال: كنتُ مع أصحاب لي في سفر -وأنا إمامهم- فصلَّيت بهم المغرب، فسلَّمت في الركعتين الأولتين، فقال أصحابي: إنَّما صلَّيتَ بنا ركعتين فكلَّمتهم وكلَّموني، فقالوا: أمَّا نحن فنعيد، فقلتُ: لكنَّي لا أعيد، وأُتمّ بركعة، فأتممت بركعة، ثمَّ صرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام)، فذكرت له الذي كان من أمرنا، فقال لي: أنت كنت أصوب منهم فعلاً، إنَّما يعيد من لا يدري ما صلَّى)[6] ، وهي ضعيفة ، لأنَّ عليّ بن النعمان الرَّازي مهمل.

ولا يخفى أن تصويبه (عليه السلام) لإمام الجماعة دونهم إنَّما هو بالنسبة إلى أصل الحكم في المسألة، بمعنى أنَّه سلَّم ساهياً على ركعتين، فإنَّ حكمه الإتمام ما لم يأتِ بمنافٍ من خارج دون الإعادة من رأس، وإلَّا فإنَّ إعادة المأمومين في الصُّورة المذكورة في محلِّها، لأنَّهم على يقين من عدم تمام الصَّلاة، وقد تكلَّموا في أثنائها عمداً، بقولهم للإمام: إنَّما صلَّيت بنا ركعتين، فالإعادة في محلِّها لذلك.

وأمَّا الإمام فيشكل البناء على ما فعله، لأنَّه بعد العلم بما أخبروه قال: لكنَّي لا أعيد، وأُتمّ بركعة، وهذا كلام أجنبي قد وقع في أثناء الصَّلاة أيضاً، وهو موجب للإعادة ، إلَّا أن يراد به أنَّه قال ذلك في نفسه، من غير أن يتكلَّم بذلك .

كما حمله المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى، حيث قال: (وفي هذه الرِّواية أنَّه تكلَّم بعدما علم النقيصة، فيحمل على أنَّه أضمر ذلك في نفسه، أي أضمر أنَّه لا يعيد، وأنَّه يتمّ، ويكون القول عبارة عن ذلك).


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص200، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب4، ح5، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص206، أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة، باب4، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص235، أبواب قواطع الصَّلاة، باب1، ح9، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص198، أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة، باب3، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص201، أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة، باب3، ح11، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص199، أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة، باب3، ح3، ط آل البيت.