الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(9)

ومنها: أنَّ الإمامة من مناصب الإمام -عليه السَّلام- فلا يتصرف فيه أحد، ولا ينوب منابه فيه إلَّا بإذنه، ضرورةً من الدِّين، ومن العقل.

وبالجملة، فإنَّ قاعدة حرمة التصرُّف في حقِّ الغير بدون إذنه مسلَّمة، بعد تسليم عدم اندراج إقامة خصوص الجمعة في باقي الصَّلوات التي رخّصوا في الإقامة بها، وبعد تسليم أنَّ مطلق إقامة الجمعة من مناصبه -عليه السَّلام-.

وذكروا أيضًا أنَّ ما يتوهّم من أنَّ الفقهاء في عصر الغيبة مأذونون لإذنهم -عليهم السَّلام- لهم في القضاء والفتيا، وهما أعظم من الإذن في إقامة صلاة الجمعة، فهو ظاهر الفساد، للزوم تعطيل الأحكام إن لم يقضوا أو يفتوا، وتحيّر النَّاس في أمور معاشهم ومعادهم.

وليس كذلك الجمعة إذا تركت، فلا يلزم شيء من هذه المحاذير.

وأيضًا إن لم يقضوا أو يفتوا لم يحكموا بما أنزل الله، وكتموا العلم، وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرمة الجميع مقطوعة ضرورةً من الدِّين.

وإن صلّوا الجمعة قاموا مقام الإمام، وأخذوا منصبه من غير إذنه، وإن سلّمنا الإذن في بعض الأخبار فهو مظنون، كما حصل في سائر الجماعات، وجواز الأخذ به هنا ممنوع، لأنَّه أخذ لمنصب الإمام، وكيف يؤتمّ بمن أخذ هذا النصب؟!

وبالجملة، فما لم يحصَّل القطع بالإذن، كما حصل في سائر الجماعات، لم يجز شيء منهما،كسائر مناصبه.

وللاتفاق على وجوب الظُّهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة، فما لم يقطع به يصلَّى الظُّهر تحرزًّا عن غصب منصب الإمام، والاقتداء بغاصبه.

لا يقال: إنَّ الأربع ركعات متردِّدة بين الوجوب والحرمة، إن قلنا بتعيُّن الجمعة، لا التخيير بينهما.

لأنَّا نقول: نعم، ولكنَّا مضطرون إلى فعل أحدهما متحيِّرون إذن في الترجيح، وإذا تأمّلنا وجدنا الأربع أرجح، إذ ليس فيها غصب لمنصب الإمام، ولا اقتداء بغاصبه.

وفيها تأسِّي بالأئمَّة -عليهم السَّلام-، فإنَّهم منذ قُبضِت أيديهم لم يكونوا يصلُّون، ولا أصحابهم، إلَّا الأربع فنحن نصلِّيها حتَّى تنبسط يد إمامنا -عليه السَّلام- إن شاء الله، إلى آخر ما ذكروه من الأدلَّة.

ويرد عليهم: أنَّه لا ريب في صلاحيَّة النصوص المذكورة للقول بالتخيير للخروج بها عن قاعدة عدم جواز التصرُّف في حقِّ الغير بغير إذنه.

ثمَّ إنَّ القضاء وغيره من مناصبهم -عليهم السَّلام- هو أعظم من إمامة الجمعة قطعًا، وقد ثبتت مشروعيّته لغيرهم بأقلّ من هذه النصوص عددًا بمراتب، وأضعف سندًا، فهي أَولى بذلك.

على أنَّه يمكن هنا دعوى القطع بالإذن بملاحظة الأخبار التي تقّدمت، مثل صحيحة زرارة (قال: حثَّنا أبو عبد الله -عليه السَّلام- على صلاة الجمعة...)([1] وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله -عليه السَّلام- (قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا ...)([2] وكذا غيرهما من النصوص.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في جواز إقامتها، بل قلنا: هي أفضل فردَي التخيير.

 

قول الماتن: (وتُجزِئ عن الظُّهر على الأصحّ).

لا إشكال في أنَّ الجمعة إذا أُقيمت بشرائطها أجزأت عن الظُّهر.

ولا مجال لتوهُّم مشروعيتها في زمن الغيبة، وعدم كونها مسقطةً عن الظُّهر.

ولذا لم يقع الخلاف في ذلك من أحد، على ما يظهر من كلماتهم، حيث أرسلوا بدلّيتها عن الظُّهر إرسال المسلَّمات.

ثمَّ إنَّه لو أراد الاحتياط بفعل الجمعة لرجاء أجرها قدَّمها على الظُّهر، إذ لو أخَّرها جزم بعدم مشروعيّتها، إذ المفروض الجزم بعدم وجوبها تعيينًا، وتردّد أمرها بين عدم المشروعيَّة أو الاستحباب -أي كونها أفضل فردي الواجب التخييري- فمع تقديم الظُّهر لا يبقى احتمال مطلوبيّتها حتَّى يقصد بها التقرُّب أو الاحتياط.

نعم، لوِ احتمل وجوبها التعييني أيضًا احتاط بالجمع بينهما بتقديم أيّهما شاء، ولا يجب هذا الاحتياط لعدم العلم الإجمالي، بل لا إشكال في جواز الاكتفاء بصلاة الظُّهر، والله العالم.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص309، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب5، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص304، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب2، ح7، ط آل البيت.