الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(5)

الطّائفة الثالثة من الرِّوايات: الدَّالة على أنَّ الجمعة من مناصب الإمام كالقضاء والحدود:

ومنها: ما في دعائم الإسلام (روينا عن عليّ (عليه السَّلام) أنَّه قال: لا يصلح الحكم ولا الحدود، ولا الجمعة، إلَّا للإمام، أو من يقيمه)([1] وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما روي عن الأشعثيَّات (من أنَّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ولكنَّ الموجود في الأشعثيَّات مسنداً هكذا: (أنَّ عليّاً (عليه السَّلام) قال: لا يصلح الحكم، ولا الحدود، ولا الجمعة، إلَّا بإمام)([2] ).

وذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب الجعفريَّات المعبَّر عنه بالأشعثيَّات فيه موسى بن إسماعيل بن الإمام الكاظم (عليه السَّلام) وموسى مجهول، ووالده غير موثق، كما أنَّ الدَّلالة غير قويَّة.

ومنها: ما ذكره في الجواهر عن رسالة الفاضل ابن عصفور مرسِلاً عنهم (عليهم السَّلام) (أنَّ الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا)، وكذا روى عنهم (عليهم السَّلام) : (لنا الخمس، ولنا الأنفال، ولنا الجمعة، ولنا صفو المال)(4)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما في الجواهر: (وفي النبوي المشهور: أربع للولاة: الفيء والحدود والصدقات والجمعة)([3] وهي ضعيفة بالإرسال.

الطائفة الرابعة من الرِّوايات: الدَّالة على أنَّ الجمعة إذا صادفت عيداً من فطر أو أضحى فللإمام، يرخّص في ترك الجمعة لمن جاء من الأماكن البعيدة الدَّالة على أنَّ الجمعة حقّ للإمام (عليه السَّلام) يرخِّص في تركها:

منها: صحيحة الحلبي (أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الفطر والأضحى إذا اجتمعا في يوم الجمعة، فقال: اجتمعا في زمان عليّ (عليه السَّلام)، فقال: مَنْ شاء أن يأتي إلى الجمعة فليأتِ، ومن قعد فلا يضره، وليصلِّ الظَّهر، وخطب خطبتين جمع فيهما خطبة العيد وخطبة الجمعة)([4] ).

ومنها: رواية سلمة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنينن (عليه السَّلام) فخطب النَّاس، فقال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحبَّ أن يجمع معنا فَلْيفعل، ومن لم يفعل فإنَّ له رخصة، يعني من كام متنحيّاً)([5] )، ولكنَّها ضعيفة ، لأنَّ معلَّى بن محمَّد غير موثَّق، ووجوده في كامل الزيارات غير نافع، لعدم كونه من مشايخه المباشرين.

ومن جملة الأدلَّة للقول الأوَّل -أي عدم الوجوب التعييني- هو أنَّ أصحاب الأئمة (عليهم السَّلام)، ورواة الحديث الذين هم من الأجلاء، كانوا يواظبون على ترك الجمعة، فلو كانت واجبة تعييناً كبقيَّة الفرائض اليوميَّة، فكيف يتركونها؟ بل جاهروا بتركها، مع أنَّ جملة منهم، كزرارة بن أعين وغيره رووا جملة من الرِّوايات الدالَّة على وجوبها، فلو كانت واجبةً تعييناً فكيف لم يلتزموا بما روَوه وهم أفقه الستّ الأوائل لأصحاب الصَّادقين (عليهما السَّلام).

وأمَّا احتمال أن يكون ترك إقامتها للتقيَّة لأنَّ في ذلك الوقت كانت الجمعة والجماعات للعامَّة، فهو وإن كان وارداً، إلَّا أنَّه ينافيه أنَّ كثيراً من أصحاب الأئمَّة (عليهم السَّلام) تجاهروا بما ينافي التقيَّة في أمور كثيرة، حتَّى أنَّهم (عليهم السَّلام) تأذَّوا منهم بذلك.

أضف إلى ذلك: أنَّ إقامتها لا تنافي التقيَّة، إذ لا تحتاج إلى عدد كبير، ويكفي وجود سبعة أشخاص في بيت، مع الخطبتين الصّغيرتين والسّورة الخفيفة.

وممَّا يدلّنا على أنَّ سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السَّلام) المواظبة على تركها جملة من الرِّوايات، نقتصر على روايتَيْن:

الأولى: صحيحة زرارة (قال: حثَّنا أبو عبد الله (عليه السَّلام) على صلاة الجمعة، حتَّى ظننت أنَّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك، فقال: لا ، إنَّما عنيت عندكم)([6] وهي ظاهرة في استمرار زرارة على الترك، بل هي من أقوى الأدلَّة على عدم الوجوب التعييني، لأنَّ الحثّ والترغيب إنَّما يناسبان الأمور المستحبَّة التي يجوز للمكلّف تركها.

وأمَّا الواجبات: فلا يقال فيها: حثنا على الفرائض اليوميَّة، بل اللازم هو التوبيخ على الترك، سيّما إذا استمرّ عليه.

ثمَّ إنَّ قوله: (حتَّى ظننت)، ظاهر في معروفيَّة اعتبار الإمام فيها قبل أن يقول (عليه السَّلام): (إنما أردت عندكم).

الرِّواية الثانية: موثَّقة عبد الملك -أخو زرارة بن أعين، وهو من الأجلاء- عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله، قال: قلتُ: كيف أصنع؟ قال: صلّوا جماعةً، يعني صلاة الجمعة)([7] وهي واضحة على أنَّه لم يكن يصلّي صلاة الجمعة أبداً، حتَّى قاله له الإمام (عليه السَّلام): (مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله).

ومن هنا تحيَّر عبد الملك، فقال: (كيف أصنع؟)، لعلمه بأنَّها لا تُصلَّى بدون الإمام (عليه السَّلام)، ولو لم يكن حضوره شرطاً لوجوبها تعييناً لَمَا كان وجه للتخيير، بأن يقول:(كيف أصنع؟)، إذ يمكنه إقامتها مع نفرٍ من أصحابه، على وجه يأمن من ضرر مخالفتها للتقيَّة.

وبالجملة، فهذه الموثَّقة صريحة في عدم الوجوب التعييني، وهي أيضاً من أقوى الأدلَّة، كصحيحة زرارة الأُولى.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ المؤمن إذا صلَّى الجمعة مع العامَّة فصلاته لا تجزئ عن صلاة الظُّهر، لأنَّ الجماعة معهم باطلة.

نعم، ورد عندنا الأمر بالصَّلاة معهم في الصَّلوات اليوميَّة، من باب التقيَّة، على نحو المداراة لهم، ففي صحيحة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قال: من صلَّى معهم في الصفِّ الأوَّل كان كمَنْ صلَّى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الأوَّل)([8] ).

لكن ذكرنا في محله أنَّه إذا صلَّى معهم قرأ لنفسه إخفاتاً، بأن يقتدي بهم ظاهراً ويقرأ لنفسه، فهي جماعة صوريَّة وليست جماعةً حقيقيَّةً.

وإذا أراد أن يصلِّي معهم الجمعة فعليه أن يتمّ صلاته أربع ركعات، بأن ينوي صلاة الظُّهر -لبطلان الجمعة معهم- فلا يسلِّم في التشهُّد بعد الرِّكعتين، بل يقوم ويضيف إليهما ركعتين أُخريَيْن، ويخيَّل إليهم أنَّه يأتي بصلاة أخرى ذات ركعتين.

كما في موثَّقة حمران عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث- (قال: في كتاب عليٍّ (عليه السَّلام) إذا صلّوا الجمعة في وقتٍ، فصلّوا معهم، ولا تقومنّ من مقعدك حتَّى تصلّي ركعتين أُخريَيْن، قلتُ: فأكون قد صلّيت أربعاً لنفسي، لم أقتدِ به، فقال: نعم)([9] ).

وفي رواية أخرى لحمران، حيث ورد في ذَيْلها: (كان الحسين بن عليّ (عليه السَّلام) يصلّي معه الرّكعتين، فإذا فرغوا قام فأضاف إليها ركعتين)([10] ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن حديد.

أو أنَّه يصلِّي الظُّهر بعدها أربع ركعات، من دون ما يشعروا أنَّها الُّظهر، كما فعل أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، ففي حسنة زرارة (قال: قلت لأبي جعفر (عليه السَّلام) : إنَّ أناسًا رووا عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنَّه صلَّى أربع ركعات بعد الجُمعة، لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال: يا زرارة! إنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) صلَّى خلف فاسق، فلمَّا سلَّم، وانصرف، قام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) فصلَّى أربع ركعات،لم يفصل بينهن بتسليم، فقال له رجل إلى جنبه: يا أبا الحسن! صلَّيت أربع ركعات لم تفصل بينهن! فقال: إنَّها أربع ركعات مشّبهات، فسكت، فو الله ما عقل ما قال له)([11] ).

_______________________

(2) ذكرها صاحب الجواهر رحمه الله.

(4) ذكرها صاحب الجواهر رحمه الله.


[1] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج6، ص13.
[2] الجعفريات- الأشعثيات‌، كوفي‌، محمد بن اشعث، ج1، ص220.
[3] جواهر الكلام، النجفي، الشيخ محمد حسن، ج11، ص158.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص447، أبواب صلاه العبد، باب15، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص447، أبواب صلاه العید، باب15، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص309، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب5، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص310، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب5، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص310، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب5، ح2، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص349، أبواب صلاه الجماعه و آدابها، باب29، ح1، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص251، أبواب صلاه الجماعه و آدابها، باب29، ح5، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص350، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب29، ح4، ط آل البيت.