الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(2)

إذا عرفت ذلك، فنقول: لا إشكال في وجوب صلاة الجمعة ومشروعيّتها في الجملة، بل هناك تسالم عليها بين جميع المسلمين، ولم يخالف أحد على الإطلاق.

قال المصنِّف (قدِّس سرّه) في الذكرى: (تجب صلاة الجمعة بالنصّ والإجماع ركعتان بدلاً عن الظُّهر، قال الله تعالى: {إذا نودي للصَّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} وقال النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) الجمعة حقّ على كلّ مسلم إلّا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض...).

وفي المدارك: (أجمع العلماء كافَّة على وجوب صلاة الجمعة، والأصل فيه الكتاب والسّنَّة، قال الله تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ}، أجمع المفسرون على أنَّ المراد بالذِّكر هنا الخطبة، وصلاة الجمعة، تسميةً للشَّي‌ء باسم أشرف أجزائه، والأمر للوجوب -إلى أن قال:- وأمَّا الأخبار فمستفيضة جدّاً، بل تكاد أن تكون متواترةً، فمن ذلك صحيحة أبي بصير ومحمَّد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه ‌السَّلام)، قال: إن الله عزّ وجلّ فرض في كلّ سبعة أيام خمساً وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصَّبي([1] )، وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه ‌السَّلام أنَّه قال له : إنَّما فرض الله عزّوجل على النَّاس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة، وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد، والمرأ ، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس أزيد من فرسخين([2] )، وصحيحة منصور عن أبي عبد الله عليه ‌السلام، قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة على كلّ أحد، لا يعذر النَّاس فيها إلَّا خمسة: المرأة، والمملوك، والمسافر، والمريض، والصَّبي)([3] إلى آخر ما ذكره من الرِّوايات الكثيرة، ولسنا بحاجة إلى سردها، إذ سوف نذكرها إن شاء الله تعالى في ضمن بعض الأقوال الآتيَّة.

ثمَّ إنَّه وقع الكلام بين الأعلام في زمان الغيبة على أقوال كثيرة، فلا بأس بتعدادها ثمَّ الاستدلال لها:

القول الأوَّل: أنّها لا تجب تعييناً، بل المكلَّف مخيّر بين إقامتها وبين صلاة الظّهر، أي أنّها واجبة تخييراً مع كون أخد الفردين للواجب التخييري، وهو صلاة الجمعة أفضل،

هذا القول ذهب إليه أغلب الأعلام من المتقدّمين والمتأخّرين، بل لم ينسب الخلاف إلَّا إلى جماعة قليلة، وفي شرح المفاتيح: (الإجماع متواتراً على نفي العينيّة)؛ ومراد الأعلام من العينية هنا أي التعيينة.

بل قال في شرح المفاتيح: (إنَّ الناقلين -أي للإجماع- قد يزيدون عن عدد الأربعين)، قال صاحب الجواهر (قدِّس سرّه) في بعض عباراته: (إلى غير ذلك ممَّا يدلّ على مساواة الجمعة للعيد في ذلك -أي في اشتراط حضور الإمام (عليه السَّلام) ، ونائبه الخاص، في الوجوب التعييني- وحينئذٍ تتكثّر الأدلّة على الشَّرط المزبور بملاحظة ما دلّ عليه في العيد من الإجماع والنصوص، ولعله بذا تبلغ سبعين إجماعاً، أو أزيد كما أنَّ به تزيد النصوص الدَّالة على ذلك حينئذٍ على التواتر...).

وإليك نبذة من الأقوال الدَّالة على اشتراط حضور الإمام (عليه السَّلام) أو نائبه الخاص في الوجوب التعييني، قال المحّقق (قدِّس سرّه) في المعتبر: (السّلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة، وهو قول علمائنا، و قال أبو حنيفة: يشترط وجود الإمام وإن كان جائراً -إلى أن قال:- وقال الشَّافعي: لا يشترط -وردّه بأن- معتمدنا فعل النّبي (صلى اللّه عليه و آله)، فإنّه كان يعيّن لإمامة الجمعة، و كذا الخلفاء بعده كما يعيّن للقضاء، فكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضياً من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة)، ثمَّ قال بعد ذلك: (المسألة الخامسة: لو لم يكن إمام الأصل ظاهراً سقط الوجوب، ولم يسقط الاستحباب، وصُلِّيت جمعة إذا أمكن الاجتماع و الخطبتان، و به قال الشَّيخ في المبسوط، و أنكره سلار بن عبد العزيز).

وقال العلّامة (قدِّس سرّه) في التذكرة: (يشترط في وجوب الجمعة السّلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع) ، وقال بعد ذلك: (وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكّن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة، أطبق علماؤنا على عدم الوجوب، واختلفوا في استحباب إقامتها، فالمشهور ذلك، وقال ابن إدريس وسلار: لا يجوز...).

وقال المصنِّف (قدِّس سرّه) في الذكرى: (شروطها سبعة: الشّرط الأول: السّلطان العادل، وهو الإمام أو نائبه إجماعاً منَّا لما مرّ، ولأن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يعيِّن لإمام الجمعة، ويشترط في النائب أمور تسعة -إلى أن قال:-التاسع: إذن الإمام، كما كان النّبيّ (صلى الله عليه وآله) يأذن لأئمة الجمعات، وأمير المؤمنين (ع) بعده، وعليه إطباق الاماميَّة؛ هذا مع حضور الامام (ع )، وأمَّا مع غيبته، كهذا الزمان، ففي انعقادها قولان -ثمَّ قال:- إنّ عمل الطَّائفة على عدم الوجوب، يعني في سائر الأعصار والأمصار...)، ومقصوده من العيني التعييني.

وفي رسالة الكركي: (أجمع علماؤنا الإماميَّة طبقةً بعد طبقة، من عصر أئمتنا إلى عصرنا هذا، على انتفاء الوجوب العيني في زمان الغيبة).

وقال في جامع المقاصد: (يشترط لوجوب الجمعة السّلطان العادل، وهو الإمام عليه ‌السَّلام أو نائبه -ثمَّ قال بعد ذلك:- الوجوب الحتمي في حال الغيبة منتفٍ بالإجماع).

وفي كشف اللثام: (لا تجب عيناً إجماعاً، كما هو ظاهر الأصحاب -ثمَّ قال: - لم يقل أحد منّا بتعيّن الجمعة في الغيبة...).

وعن الدَّاماد: (أجمع علماؤنا على أنَّ النِّداء المشروط به وجوب السَّعي لا بدّ أن يكون من قِبل النَّبيّ (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم) ، أو الإمام، أو من يأذن له وينصبه لها، وعلى ذلك إطباق الإمامية)، إلى غير ذلك من العبائر التي لا يسع المقام لنقلها.

وقاصد هذا القول أنَّه لا يجب تعييناً انعقاد صلاة الجمعة في زمان الغيبة، وإذا انعقدت لا يجب الحضور، إذ لا تتعيّن الجمعة بعد حصول الانعقاد والاجتماع، خلافاً لِما ذهب إليه البعض من أنَّه وإن كان لا يجب انعقادها في زمان الغيبة إلَّا أنَّه بعد حصول الانعقاد والاجتماع تتعين الجمعة ويجب الحضور.

القول الثاني: أنَّ الواجب يوم الجمعة صلاة الجمعة تعييناً، ذهب إليه جماعة من الأعلام، منهم صاحب الحدائق، حيث قال: (لا ريب أنَّ الظَّاهر من الأخبار، حتّى كاد أن يكون كالشّمس السّاطعة على جميع الأقطار، هو الوجوب العيني الذي لا يختلجه الشك منها و الإنكار متى لوحظت في حد ذاتها بعين الإنصاف و الاعتبار).

ومنهم الشهيد الثاني (قدِّس سرّه) في رسالته التي وضعها في هذه المسألة، وهو أيضاً ظاهر صاحب المدارك (قدِّس سرّه)، حيث قال: -بعد ذكره للأخبار-: ( فهذه الأخبار الصَّحيحة الطُّرق الواضحة الدَّلالة على وجوب الجمعة على كلّ مسلم، عدا ما استثني، تقتضي الوجوب العيني، إذ لا إشعار فيها بالتخيير بينها وبين فرد آخر -إلى أن قال:- وليس فيها دلالة على اعتبار حضور الإمام عليه ‌السَّلام ونائبه بوجه -إلى أن قال:- قال جدِّي ـ قدس‌سره ـ في رسالته الشريفة التي وضعها في هذه المسألة -بعد أن أورد نحو ما أوردناه من الأخبار ونعم ما قال-: فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله تعالى إذا سمع مواقع أمر الله تعالى ورسوله وأئمته عليهم ‌السَّلام بهذه‌ الفريضة وإيجابها على كلّ مسلم أن يقصّر في أمرها ويهملها إلى غيرها، ويتعلَّل بخلاف بعض العلماء فيها، وأمر الله تعالى ورسوله وخاصّته عليهم ‌السَّلام أحقّ ومراعاته أَوْلى، فَلْيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم؛ وَلَعَمري! لقد أصابهم الأمر الأوَّل، فَلْيرتقبوا الثاني، إن لم يعفُ الله تعالى ويسامح، نسأل الله العفو والرَّحمة بمنِّه وكرمه).

ثمَّ إنَّ صاحب الحدائق (قدِّس سرّه) نسب القول بالوجوب العيني أي التعييني إلى جملة من لمشاهير علمائنا قال: (القول بالوجوب العيني هو المختار المعتضد بالآية والأخبار، وبه صرَّح جملة من مشاهير علمائنا الأبرار -رضوان الله علهيم- متقدميهم ومتأخريهم ...).

وقد شكَّك في هذه النسبة إلى العلماء كثير من الأعلام، قال صاحب الجواهر (قدِّس سرّه): (ومن مضحكات المقام دعوى بعض المحدِّثين تواتر النصوص بالوجوب العيني، وأنَّها تبلغ مأتي رواية، وقد تصدَّى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلّة -إلى أن قال:- وأغرب من ذلك دعوى بعض مصنفي الرّسائل في المسألة، كالكاشاني وغيره الإجماع على الوجوب العيني، مع أن معتمدهم في هذا الخلاف ثاني الشّهيدين في رسالته في المسألة التي قد يظن صدورها منه في حال صغره، لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على أساطين المذهب، وكفلاء أيتام آل محمد عليهم ‌السّلام، وحفاظ الشريعة، ولما فيها من الاضطراب والحشو الكثير، ولمخالفتها لما في باقي كتبه من الوجوب التخييري، ونسأل الله أن يتجاوز له عمَّا وقع فيها...فإنه قد بذل جهده في تصفح عبارات الأصحاب، فما وجد إلَّا ظاهر مقنعة المفيد، وكتاب الاشراف له وأبي الفتح الكراجكي، وأبي الصلاح، وربما نسب أيضاً إلى الشّيخ في الخلاف والنهاية والتهذيب، وإلى الصَّدوق في المقنع والأمالي، وإلى الشّيخ عماد الدين الطبرسي، وبذلك نسبوه إلى أكثر المتقدّمين وإلى إجماع الأصحاب -إلى أن قال:- ولقد وقفتُ على جملة من الرّسائل المصنفة في المسألة نسجوا فيها على منوان هذه الرسالة، وقد أكثروا فيها من السبّ والشّتم، خصوصا رسالة الكاشاني...ولو أنَّ الشَّهيد يعلم وقوع هذه البلوى ما احتمل الوجوب في الذكرى، معترفاً بأنَّ عمل الطَّائفة على خلافه، ومن ذلك ينبغي أن يترك الإنسان ذكر بعض الاحتمالات في المسائل القطعيَّة ولو معلّقاً له على فَقْد القاطع، فإنَّه ربّما كان ضلالاً لغيره، ونسأل الله تعالى أن يكون ما صدر من هؤلاء من شدة المبالغة في الوجوب...).

______________

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص299، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب1، ح14، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص295، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب1، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص300، أبواب صلاه الجمعه و آدابها، باب1، ح16، ط آل البيت.