الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(1)

قول المصنِّف (رحمه الله): (وتجب سجدة التلاوة في العزائم الأربع على التالي والمستمع، وفي السَّامع قولان، أحوطهما الوجوب، ويستحبُّ في باقي السَّجدات مطلقاً)

[الشرح]: يقع الكلام في عدَّة أمور:

الأوَّل: ما هي سجدات التلاوة، وكم عددها؟

الثاني: في الواجب منها.

الثالث: في المستحبِّ منها.

الرَّابع: عند وجوب السّجود هل يجب على السَّامع كما يجب على القارئ والمستمع؟

الخامس: هل محلّ السُّجود بعد الفراغ من الآية، أم يجب بعد الكلمة المتضمنة للسَّجدة وإن لم يفرغ من الآية الشَّريفة؟

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، أنَّ سجدات القرآن خمس عشرة.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (أجمع الأصحاب على أنَّ سجدات القرآن خمس عشرة، ثلاث في المفصّل، وهي في النجم وانشقت واقرأ، واثنتا عشرة في باقي القرآن، وهي في الأعراف والرَّعد والنَّحل وبني إسرائيل ومريم، والحجّ في موضعين، والفرقان والنمل وألم تنزيل وص وهم فصلت، وقد رواه العامَّة عن عبد الله بن عمر أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) أَقرَأَنا خمس عشرة سجدةً، ثلاث في المفصّل، وسجدتان في الحجّ(1))، ولا يخفى ضعف الرِّواية النبويَّة.

وفي كتاب دعائم الإسلام (قال: مواضع السُّجود خمسة عشر موضعاً، أوّلها آخر الأعراف، وفي سورة الرَّعد: ﴿{ وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }﴾، وفي النحل: ﴿{ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}﴾، وفي بني إسرائل: ﴿{ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا }﴾، وفي كهيعص: ﴿{ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}﴾، وفي الحجّ: ﴿{ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }﴾، ومنها: ﴿{ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}﴾، وفي الفرقان: ﴿{ وَزَادَهُمْ نُفُورًا}﴾، وفي النمل: ﴿{ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}﴾، وفي تنزيل السَّجدة: ﴿{ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}﴾، وفي ص: ﴿{ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}﴾، وفي حم السَّجدة: ﴿{ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}﴾، وفي آخر النَّجم، وفي ﴿{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}﴾، و ﴿{ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}﴾، وآخِر: ﴿{ اقْرَأْ بِاسْمِ}﴾ ).

ولا يخفى أنَّ ما ذُكِر في كتاب دعائم الإسلام ليس رواية، وإنَّما هو قوله، وعلى فرض كونها رواية فهي مرسلة.

والخلاصة: أنَّ هناك تسالماً بين الأعلام على هذه الخمس عشرة، وهذا لا ينافي وجود القول باستحباب السُّجود في كلِّ سورة فيها سجدة، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

الأمر الثاني: يجب السُّجود في أربع منها، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (يجب منها أربع، وهي في ألم تنزيل، وفصلت، والنَّجم، واقرأ، لوجوه خمسة: أحدها: إجماع العترة المرضيَّة، وإجماعهم حجَّة...).

وفي الجواهر: (إجماعاً محصّلاً ومنقولاً ونصوصاً...)، وفي المدارك: (أجمع الأصحاب على وجوب سجدة التلاوة في العزائم الأربع...).

_____________________

(1) سنن ابن ماجة: ج1/ ص335، ح1057.

 

وبالجملة، فإنَّ نقل الإجماع مستفيض جدّاً.

بل الإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها، وذلك مما يوجب القطع بها، بحيث لا مجال للريب أصلاً، فنحن في غنًى عن ذِكْر الأدلَّة.

ومع ذلك قد استُدلّ لوجوب سجود التلاوة في العزائم الأربع بعدَّةٍ من الرِّوايات المستفيضة، بل لا يبعد تواترها:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا قرأتَ شيئاً من العزائم التي يُسْجد فيها فلا تكبِّر قبل سجودك، ولكن تكبِّر حيث ترفع رأسك، والعزائم أربعة: حم السَّجدة، وتنزيل، والنَّجم، واقرأ باسم ربِّك)([1] ).

ومنها: صحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إنَّ العزائم أربع اقرأ باسم ربِّك الذي خلق، والنجم، وتنزيل السَّجدة، وحم السَّجدة)([2] ).

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: قال: إذا قُرئ بشيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإن كنتَ على غيرِ وضوءٍ، وإن كنت جنباً وإن كانت المرأة لا تصلّي، وسائر القرآن، أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت، وإن شئت لم تسجد)([3] )، وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري.

ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السَّلام): (قال: وسألتُه عن الرَّجل يكون في صلاته فتُقْرأ آخر سجدة، فقال: يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثمَّ يقوم فيتمّ صلاته، إلَّا أن يكون في فريضة فيُومِئ رأسه إيماءً)([4] ).

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن الرَّجل يُعلَّم السُورة من العزائم فتُعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال: عليه أن يسجد كلَّما سمعها، وعلى الذي علمه أيضاً أن يسجد)([5] ).

ومنها: صحيحة أبي عُبيدة الحذاء (قال: سألتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الطامث تسمع السَّجدة، فقال: إن كانت من العزائم فَلْتسجد إذا سمعتها)([6] )، وكذا غيرها من الرِّوايات.

الأمر الثالث: المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ السُّجود في أحد عشر موضعاً من المواضع الخمس عشرة، وأمَّا الأربعة الباقية فقد عرفت أنَّه السُّجود فيها.

قال صاحب المدارك: (وأمَّا استحباب السُّجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به في كلام الأصحاب مدعًى عليه الإجماع، ولم أقف فيه على نصّ يعتدّ به).

والإنصاف: أنَّ استحباب السُّجود في الإحدى عشرة متسالم عليه بين جميع الأعلام، بل بين المسلمين قاطبةً إلَّا من شَذّ في بعض المواضع.

ومع ذلك هناك بعض الرِّوايات يستفاد منها الاستحباب:

منها: النبوي المتقدِّم(3)، وهو ضعيف، كما لا يخفى.

__________

(3) سنن ابن ماجة: ج1/ 335، ح1057.

ومنها: رواية أبي بصير المتقدِّمة، حيث ورد في ذَيْلها: (وسائر القرآن أنت فيه بالخيار، إن شئت سجدتّ، وإن شئت لم تسجد)([7] ).

وليس المراد من قوله (عليه السَّلام): (إن شئت سجدت...)، التخيير بمعنى الإباحة الخاصَّة، بل المراد الاستحباب، ولكنَّها ضعيفة -كما عرفت- بعليّ بن أبي حمزة البطائني، وبعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهري، وكذا غيرها من الرِّوايات؛ والعمدة في المقام هو التسالم.

هذا، وقد أشكل صاحب الحدائق (رحمه الله) بوجود النصّ الصَّحيح السَّند، وهو صحيح ابن مسلم المرويّ في مستطرفات السَّرائر، نقلاً من نوادر أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عن العلاء عن محمَّد بن مسلم: (قال: سألتُه عن الرَّجل يقرأ بالسُّورة فيها السجدة فينسى ويركع ويسجد سجدتَيْن، ثمَّ يذكر بعدُ، قال: يسجد إذا كانت من العزائم، والعزائم أربع: ألم تنزيل، وحم السَّجدة، والنَّجم، واقرأ باسم ربِّك، وكان عليُّ بن الحسين يعجبه أن يسجد في كلِّ سورة فيها سجدةً)([8] ).

وفيه: أنَّ هذه الرِّواية ليست صحيحةً لأنَّ ابن إدريس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى البزنطي، فتكون مرسلةً.

وعليه، فإشكال صاحب الحدائق (رحمه الله) في غير محلِّه، لأنَّ صاحب المدارك (رحمه الله) لم ينكر وجود النصّ على الإطلاق، وإنَّما أنكر وجود النصّ الذي يُعتدّ به.

ثمَّ إنَّه حُكِي عن الصَّدوقين وبعض المتأخِّرين عدم انحصار الاستحباب في الإحدى عشرة، بل يستحب السُّجود عند كلّ آية فيها أمر بالسُّجود ، كقوله تعالى في سورة مريم : (واسجدي واركع)، وكذا غيرها من الآيات الشريفة.

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص239، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص241، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح7، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص240، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص243، أبواب قراءه القرآن، باب43، ح4، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص245، أبواب قراءه القرآن، باب45، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج2، ص340، أبواب الحیض، باب36، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص240، أبواب قراءه القرآن، باب42، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص244، أبواب قراءه القرآن، باب44، ح2، ط آل البيت.