الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(23)

الأمر الثالث: في كيفيَّة الردّ، والمعروف بين الأعلام أنَّه بالمثل؛ وفي المدارك: (أنَّه قطَع بذلك الأصحاب، بل في الانتصار والخلاف الإجماع عليه)، وفي الجواهر: (بل لا أجد في ذلك خلافاً إلَّا من الحلبي فجوّزه بعليكم السَّلام، فضلًا عن غيرها...).

أقول: المتبادر من إطلاق المثل المماثلة التامّة حتَّى في الإفراد، والجمع، والتعريف، والتنكير، ونحوها، فإذا قال المسلِّم: سلام عليكم، يجب أن يقول المصلِّي: سلام عليكم، وإذا قال: سلام عليكم، فيقول في الجواب: سلام عليك، وإذا قال: السَّلام عليكم، فيقول في الجواب: السَّلام عليكم، وهكذا.

وقدِ اختاره في الحدائق، ونسبه إلى المشهور، إلَّا أنَّه قيَّد السَّلام الذي يجب ردُّه بما إذا وقع السَّلام بإحدى الصِّيغ الأربع الواردة في الأخبار، يعني السَّلام عليكم، وسلام عليكم، والسَّلام عليك، وسلام عليك، فلم يوجب ردّ السَّلام الذي ليس بإحدى هذه الصِّيغ، لا في الصَّلاة، ولا في غيرها.

ولكن الإنصاف: أنَّه لا بدَّ من الرُّجوع إلى الرِّوايات حتَّى نرى ماذا يُفهم منها، وهي كثيرة:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم (قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السَّلام) وهو في الصَّلاة، فقلتُ: السَّلام عليك، فقال: السَّلام عليك، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمَّا انصرف، قلتُ: أيردّ السَّلام وهو الصَّلاة؟ قال: نعم، مثل ما قيل له)([1] ).

ومنها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إذا سلّم عليك الرَّجل وأنت تصلِّي، قال: تردّ عليه خفيّاً، كما قال)([2] ).

وظاهر هاتين الصَّحيحتَيْن وجوب الردّ بمثل ما قال المسلِّم.

ومنها: موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: سألته عن الرَّجل يسلَّم عليه وهو في الصَّلاة، قال: يردّ سلام عليكم، ولا يقل: وعليكم السَّلام، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قائماً يصلِّي، فمرّ به عمّار بن ياسر، فسلّم عليه عمّار، فردَّ عليه النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) هكذا)([3] وظاهر هذه الموثَّقة تعيُّن الجواب بـ(سلام عليكم)، مع أنَّ التسليم مطلق، فلا تدلّ على اعتبار المماثلة.

وروى المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى كيفيّة تسليم عمّار على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) بشكل مختلف عن هذه الموثَّقة (قال: روى البزنطي في سياق أحاديث الباقر (عليه السَّلام)، إذا دخلتَ المسجد، والنَّاس يصلّون، فسلمِّ عليهم، وإذا سلَّم عليك، فاردد فأني أفعله، وإنَّ عمّار بن ياسر (رحمه الله) مرّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصلِّي، فقال: السَّلام عليك -يا رسول الله!- ورحمة الله وبركاته، فردّ (صلى الله عليه وآله) عليه السَّلام)(1)، فإنَّ المستفاد منها -بعد ضمَّها إلى موثَّقة سماعة المتقدِّمة، مع البناء على كون القضيَّة المحكية فيهما واحدة، كما هو الظَّاهر -أنَّ سلام عمّار كان بما في رواية البزنطي، وجواب النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان بما في موثَّقة سماعة.

ولكنّ هذه الرِّواية ضعيفة بالإرسال، لأنَّ المصنِّف (رحمه الله) لم يذكر طريقه في الذِّكرى إلى البزنطي.

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم (أنَّه سأل أبا جعفر (عليه السَّلام) عن الرَّجل يسلِّم على القوم في الصَّلاة، فقال: إذا سلَّم عليك مسلِّم -وأنت في الصَّلاة- فسلّم عليه، تقول: السَّلام عليك، وأشرْ بإصبعك)([4] وهذه الرِّواية، وإن كانت ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) إلى محمَّد بن مسلم، إذ في الطَّريق عليّ بن أحمد بن عبد بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، وهما غير مذكورَيْن، إلَّا أنَّها صحيحة بطريق ابن إدريس (رحمه الله)، لأنَّه رواها في آخر السَّرائر نقلاً من كتاب محمَّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمَّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم([5] وذكر ابن إدريس (رحمه الله) أنَّ نوادر محمَّد بن عليّ بن محبوب عنده بخطّ الشَّيخ الطوسي (رحمه الله)، وهو يعرف خطّ الشَّيخ، والشَّيخ له طريق صحيح إلى الكتاب.

ويظهر من هذه الصَّحيحة عدم اعتبار المماثلة، إذ دلَّت على تعيّن الجواب بصيغة السَّلام عليك، مع أنَّ التسلم مطلق.

ومثلها: رواية عليّ بن جعفر عن أخيه المرويّة في قرب الإسناد (قال: سألتُه عن الرّجل يكون في الصَّلاة، فسلّم عليه الرَّجل، هل يصلح له أن يردّ؟ قال: نعم، يقول: السَّلام عليك، فيشير إليه بأصبعه)([6] ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ عبد الله بن الحسن المذكور في السَّند مهمل.

ولا يخفى أنَّ الأمر بالإشارة بالأصبع يحمل على الندب، لعدم توقُّف الردّ الواجب عليه، مع أنَّه لم ينقل القول بوجوبه عن أحد من الأعلام أصلاً.

ويؤيِّد ذلك خلوُّ سائر الرِّوايات عن الإشارة بالأصبع.

ومنها: موثَّقة عمَّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: سألته عن السَّلام عن (السَّلام على خ ل) المصلِّي، فقال: إذا سلّم عليك رجل من المسلمين -وأنت في الصَّلاة- فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك، ولا ترفع صوتك)([7] وهي مطلقة من حيث كيفيّة التسليم والردّ.

ومثلها في الإطلاق من حيث كيفيّة التسليم والردّ مرسلة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) (قال: قال أبو جعفر (عليه السَّلام): سلّم عمَّار على رسول الله (صلى الله عليه وآله) -وهو في الصَّلاة- فردّ عليه، ثمَّ قال أبو جعفر (عليه السَّلام): إنَّ السَّلام اسم من أسماء الله عزَّوجل)([8] ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ولكنَّ هذه الرِّواية رواها المصنِّف (رحمه الله) في الأربعين بسند صحيح عن زرارة (قال في الوسائل بعد ذكر المرسلة: ورواه الشَّهيد في الأربعين بإسناده عن الشَّيخ أبي جعفر الطُّوسي عن ابن أبي جيد، عن محمَّد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام)، مثله).

والسَّند تامّ، فإنَّ ابن أبي جيد وإن لم يوثَّق بالخصوص، إلَّا أنَّه من أساتذة النجاشي، ومشايخ النجاشي ثقات، كما ذكرنا في علم الرِّجال.

______________.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص267، أبواب قواطع الصلاه، باب16، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص268، أبواب قواطع الصلاه، باب16، ح3، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص267، أبواب قواطع الصلاه، باب16، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص268، أبواب قواطع الصلاه، باب16، ح5، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص268، أبواب قواطع الصلاه، باب16، ح5، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص271، أبواب قواطع الصلاه، باب17، ح3، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص268، أبواب قواطع اصلاه، باب16، ح4، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص268، أبواب قواطه الصلاه، باب16، ح5، ط آل البيت.