الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعقيب(10)

*قوله: (والتعفير بينهما)*

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: *(يستحبّ فيهما تعفير الجبين بين السَّجدتين، لِما مرَّ، وكذا تعفير الخدَّين، وهو مأخوذ من العَفَر -بفتح العين والفاء- وهو التراب، وفيه إشارة إلى استحباب وضع ذلك على التراب؛ والظَّاهر تأدِّي السنَّة بوضعها على ما اتَّفق، وإن كان الوضع على التراب أفضل).*

وفي المدارك -بعد قول المحقِّق في المعتبر: ويستحبّ بينهما التعفير-: *(أي تعفير الجبينين، وهو وضعهما على العَفَر -بالفتح - وهو التراب، وبه يتحقَّق تعدُّد السُّجود، وهو مستحبّ باتفاقنا، لِمَا رواه الشَّيخ عن أبي الحسن الثالث (عليه السَّلام) أنَّه قال: إنَّ علامات المؤمن خمس، وعدَّ منها تعفير الجبين، وكذا يستحبّ تعفير الخدَّيْن أيضاً).*[1]

وفي كشف اللثام: *(يستحبّ أن يعفِّر بينهما خدَّيْه، أو جبينَيْه، أو الجميع، أو إحداهما، فهو كالسُّجود، ممَّا شهد بفضله الأخبار، والاعتبار، وانعقد عليه إجماعنا، ولمَّا أنكره الجمهور كان من علامات الإيمان).*

أقول: قدِ استُدل لاستحباب تعفير الجبينَيْن -وهما المكتنفان للجبهة- بالرِّواية المشهورة عن أبي محمَّد الحسن بن عليٍّ العسكريّ (عليه السَّلام) *(أنَّه قال: علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختُّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرَّحمان الرَّحيم)([2] ).*

ولا يوجد غير هذه الرِّواية مماَّ يدلّ على استحباب تعفير الجبين.وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال.

وثانياً: ما ذكَره جماعة من الأعلام، ومنهم صاحب الحدائق (رحمه الله)، من أنَّ المراد بالجبين الجبهة، قال في الحدائق : *(والاستدلال بهذا الخبر على ذلك غير ظاهر، إذ من المحتمل -بل هو الظاهر- أنَّ المراد بالجبين هو الجبهة، كما مرَّ نظيره في باب التيمُّم، من كثرة هذا الإطلاق في الأخبار.*

*ويؤيِّده التعبير في الخبر بالجبين مفرداً، والمراد حينئذٍ إنَّما هو استحباب السُّجود على الأرض.*

*وجَعْل ذلك من علامات المؤمن من حيث إنَّ المخالفين لا يرون استحباب سجدة الشُّكر- إلى أن قال: - وأيضاً فإنَّه لا دلالة في الخبر المذكور على أنَّه بعد السُّجود أوَّلاً ليحصل به الفصل بين السَّجدتين...).*

 

*أقول:* إشكاله الأخير في محلِّه، إذ لا دلالة في الرِّواية على إرادة التعفير فيما بين السَّجدتين.

وأمَّا حمله الجبين على الجبهة فهو خلاف الظَّاهر، والتعبير في الرِّواية بإفراد الجبين لا يكون قرينةً على ذلك.

*ولكن الذي يهوِّن الخطب:* أنَّ الرِّواية ضعيفة، كما عرفت، فيُؤتى به لرجاء المطلوبيَّة.

وأمَّا استحباب تعفير الخدَّيْن فقدِ استُدلّ له ببعض الرِّوايات:

*منها:* رواية إسحاق بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(أنَّه قال: كان موسى بن عمران (عليه السَّلام) إذا صلَّى لم ينفتل حتَّى يُلصِق خدَّه الأيمن بالأرض، وخدَّه الأيسر بالأرض)([3] )،* ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ إسناد الشَّيخ الصَّدوق إلى إسحاق بن عمَّار فيه عليّ بن إسماعيل السّندي، وهو لم يوثِّقه إلَّا نصر بن الصّباح، ونصر بن الصّباح لا يُعتمَد على توثيقاته، لأنَّه نفسه غير موثَّق.

ورواها الشَّيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمَّد بن سنان عن إسحاق بن عمار مثلها، وزاد *(قال: وقال إسحاق بن عمَّار بن موسى السَّاباطي: رأيتُ من آبائي من يفعل ذلك، قال محمَّد بن سنان: يعني موسى في الحِجْر في جوف اللَّيْل)([4] )،* وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

*ومنها أيضاً:* ما رواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في العِلل عن محمَّد بن سنان، عن الصفَّار، عن محمَّد بن الحسين، عن محمَّد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث- وهي ضعيفة أيضاً بمحمَّد بن سنان .

*أضف إلى ذلك:* أنَّه لا يوجد في هذه الرِّوايات كون التعفير بين السَّجدتين، إذ لا يظهر من هذه الرِّوايات وقوع ذلك من موسى (عليه السَّلام) بعد وضع جبهته على الأرض أو بين السَّجدتَيْن، فلعلَّه كان يقتصر على وضع خديه على الأرض تواضعاً لله تعالى.

كما يؤيده: رواية إسحاق بن عمَّار *(قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: إذا ذكرتَ نعمةَ الله عليك، وكنتَ في موضعٍ لا يراك أحد فالصِق خدَّك بالأرض...)([5] )،* وهي ضعيفة بأبي إسحاق النهاوندي، وبمحمَّد بن سنان.

__________

*ومنها:* حسنة عبد الله بن جندب عن موسى بن جعفر (عليه السَّلام) *(أنَّه قال: تقول في سجدة الشُّكر: اللهمَّ إنِّي أُشْهِدك وأُشْهِد ملائكتك وأنبيائك ورسلك، وجميع خلقك، أنَّك أنت الله ربي، والإسلام ديني، ومحمَّداً نبيّ، وعليّاً، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمَّد بن علي، وجعفر بن محمَّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمَّد بن عليّ، وعليّ بن محمَّد، والحسن بن علي، والحجَّة بن الحسن بن عليّ، أئمتي، بهم أتولَّى، ومن أعدائهم أتبرَّأ، اللهمَّ إنِّي أنشدك دم المظلوم "ثلاثا"، اللهمَّ إنِّي أُنشِدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنَّهم بأيدينا، وأيدي المؤمنين، اللهمَّ إنِّي أُنشِدك بإيوائك لنفسك لأوليائك لتظفرنَّهم بعدوك وعدوهم أن تصلِّي على محمَّد وعلى المستحفظين من آل محمَّد "ثلاثاً"، اللهمَّ إنِّي أسألك اليسر بعد العسر "ثلاثاً"، ثمَّ تضع خدِّك الأيمن على الأرض، وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب، وتضيق عليَّ الأرض بما رحبت، يا بارئ خَلْقي رحمةً بي، وكنتَ عن خَلْقي غنيّاً، صلِّ على محمَّد وآل محمَّد وعلى المستحفظين من آل محمَّد "ثلاثاً"، ثمَّ تضع خدَّك الأيسر على الأرض، وتقول: يا مذلّ كلّ جبَّار، ويا معزّ كلّ ذليل، قد وعزَّتك بلغ مجهودي، فرِّج عني "ثلاثا"، ثمَّ تعود إلى السُّجود، وتقول مائة مرة: شكراً شكراً، ثمَّ تسأل حاجتك -إن شاء الله-)([6] )،* وهي حسنة بطرق المشايخ الثلاثة.

نعم، في طريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) محمَّد بن عليّ ماجيلوَيْه، وهو وإن لم يوثَّق بالخصوص إلَّا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

وفي الحدائق: *(ومعنى أُنشِدك: أسألك الله، من النشد، والمراد هنا: أسألك بحقّك أن تأخذ بدم المظلوم، يعني الحسين (عليه السَّلام)، وتنتقم من قاتليه، وممَّن أسّس أساس الظُّلم عليه، وعلى أبيه، وعلى أخيه، و الإيواء -بالمثناة التحتانية و المد-: العهد؛ والمستحفظين -بصيغة الفاعل أو المفعول-: بمعنى استحفظوا الإمامة، أي حفظوها أو استحفظهم اللّٰه تعالى إياها، «يا كهفي حين تعييني المذاهب»، أي يا ملجأي حين تعييني مسالكي إلى الخلق، وتردداتي إليهم في تحصيل بُغْيتي، وتدبير أموري؛ و«تعييني» -بيائين مثناتين من تحت-: من الإعياء، أو بنونين أوّلهن مشدَّدة وبينهما مثناة تحتانيَّة: من التعنية، بمعنى الإيقاع في العناء، «بِمٰا رَحُبَتْ»: أي بسعتها، وما مصدريَّة).*


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص9، أبواب سجدتی الشکر، باب2، ح4، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج14، ص478، أبواب المزار و مایناسبه، باب56، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص11، أبواب سجدتی الشکر، باب3، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص11، أبواب سجدتی الشکر، باب3، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح5، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص15، أبواب سجدتی الشکر، باب6، ح1، ط آل البيت.