الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعقيب(9)

السُّجود عند النعمة.*

وأمَّا استحباب سجدة الشُّكر عند تذكُّر النعمة: *فيدلّ* عليه جملة من الرِّوايات:

*منها:* رواية إسحاق بن عمَّار *(قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) [1] يقول: إذا ذكرتَ نعمةَ الله عليك، وكنت في موضع لا يراك أحد فالصق خدَّك بالأرض، وإذا كنت في ملأ من النَّاس فضع يدك على أسفل بطنك، واحن ظهرك، وَلْيكن تواضعاً لله عزَّوجل، فإنَّ ذلك أحبّ، ويُرَى أنَّ ذلك عمَّن وجدته في أسفل بطنك)([2] )،* وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وبأبي إسحاق النهاوندي.

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب *(قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) بالمدينة، وهو راكب حِماره، فنزل وقد كنّا صرنا إلى السُّوق أو قريباً منه، قال: فنزل فسجد وأطال السُّجود، ثمّ رفع رأسه إليّ، فقلتُ له: رأيتك نزلت فسجدت! فقال: إنّي ذكرت نعمة لله عزّوجلّ، قال: قلت: قريباً من السُّوق والنَّاس يجيئون ويذهبون؟! فقال: إنّه لم يرَني أحد غيرك)([3] ).*

ومنها: رواية يونس بن عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: إذا ذكر أحدكم نعمة الله -عزّوجلّ- فَلْيضع خدَّه على التراب شكراً لله، وإن كان راكباً فَلْينزل فليضع خدّه على التراب، وإن لم يكن يقدر على النُّزول للشُّهرة فَلْيضع خدَّه على قربوسه، فإن لم يقدر فَلْيضع خدّه على كفّه، ثمّ ليحمد الله على ما أنعم عليه)([4] )،* وهي ضعيفة بعدم وثاقة يونس بن عمَّار.

ومنها: رواية هشام بن أحمر *(قال: كنتُ أسير مع أبي الحسن (عليه السلام) في بعض أطراف المدينة، إذ ثنى رجليه عن دابّته فخرّ ساجداً، فأطال وأطال، ثمّ رفع رأسه وركب دابّته، فقلتُ: جعلت فداك! قد أطلت السُّجود، فقال: إنّي ذكرتُ نعمة أنعم الله بها عليَّ فأحببت أن أشكر ربّي)([5] )،* وهي ضعيفة بجهالة هشام بن أحمر، واشتراك عليّ بن عطيَّة بين عدَّة أشخاص، بعضهم مجهول الحال أو ضعيف، إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة.

وأمَّا استحباب السُّجود عقيب الصَّلوات أيضاً، خصوصاً الفرائض، فهو المعروف بين الأعلام، وأنكره أكثر العامَّة إن لم يكن كلُّهم.

*ومهما يكن،* فالأخبار الدَّالة على استحبابه كثيرة جدًّا بلغت حدَّ التواتر المعنوي:

*منها:* صحيحة مرازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: سجدة الشُّكر واجبة على كلِّ مسلم، تتمّ بها صلاتك، وترضي بها ربَّك، وتعجِب الملائكةَ منك، وإنَّ العبد إذا صلَّى ثمَّ سجَد سجدةَ الشُّكر فتَح الربُّ -تبارك وتعالى- الحجاب بين العبد وبين الملائكة، فيقول : يا ملائكتي! انظروا إلى عبدي، أدَّى قربتي، وأتم عهدي، ثمَّ سجَد لي شكراً على ما أنعمتُ به عليه، ملائكتي! ماذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربّنا رحمتك، ثمَّ يقول الربُّ -تبارك وتعالى-: ثمَّ ماذا له؟ فتقول الملائكةُ: يا ربَّنا! جنَّتك، فيقول الربّ تعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربَّنا! كفاية مهمَّة، فيقول الربُّ تعالى: ثمَّ ماذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلاّ قالته الملائكة، فيقول الله تعالى: يا ملائكتي! ثمَّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا! لا علم لنا، فيقول الله تعالى: لأشكرنَّه كما شكَرني، وأُقبِل إليه بفضلي، وأُريه رحمتي)([6] ).*

ورواه الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن أحمد بن أبي عبد الله نحوه، إلَّا أنَّه قال: *(وأريه وجهي).*

قال الصَّدوق (رحمه الله): *(مَنْ وصَف الله بوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك، ووجهُه أنبياؤه ورسله، بهم يتوجَّه العباد إلى الله، والنظر إليهم يوم القيامة ثواب عظيم يفوق كلَّ ثواب).*

*ومنها:* رواية علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) *(قال: السَّجدة بعد الفريضة شكراً لله -عزَّوجل- على ما وفِّق له العبدُ من أداء فريضة؛ وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يُقال: شكراً لله، شكراً لله، شكراً لله، ثلاث مرَّات، قلتُ: فما معنى قوله: شكراً لله؟ قال: يقول: هذه السَّجدة مني شكراً لله على ما وفَّقني له من خدمته وأداء فرضه، والشُّكر موجب للزِّيادة، فإن كان في الصَّلاة تقصير لم تتمَّ بالنوافل تمَّ بهذه السَّجدة)([7] )،* ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة كلٍّ من محمَّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، وأحمد بن محمَّد بن سعيد الكوفي، وكذا غيرها من الرِّوايات.

وأمَّا ما في صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) *(قال : سألته عن سجدتي الشُّكر؟ فقال : أيّ شيء سجدة الشُّكر؟ فقلتُ: إنّ أصحابنا يسجدون سجدةً واحدةً بعد الفريضة، ويقولون: هي سجدة الشُّكر، فقال: إنّما الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة أن يقول: { سُبحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذاَ وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبوُنَ}، والحمد لله رب العالمين)([8] ).*

فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّها محمولة على التقيَّة، لمخالفتها للضَّرورة من المذهب، فضلاً عن المتواتر من النصوص.

*ويؤيِّد* الحمل على التقيَّة: ما رواه في الاحتجاج عن محمَّد بن عبد الله بن جعفر الحِميري عن صاحب الزَّمان (عليه السلام) *(أنه كتب إليه يسأله عن سجدة الشُّكر بعد الفريضة، فإنّ بعض أصحابنا ذكَر أنّها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرَّجل بعد الفريضة؟ وإن جاز، ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة، أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليه السلام): سجدة الشُّكر من ألزم السُّنن وأوجبها، ولم يقل: إنَّ هذه السَّجدة بدعة إلَّا من أراد أن يُحدِث في دين الله بدعةً...)([9] )،* ولكنَّه ضعيف بالإرسال.

*____________*

 

وإن لم يمكن حمل صحيحة سعد بن سعد الأشعري على التقيَّة، فيردّ علمها إلى أهلها وهم أدرى بها.

ثمَّ إنَّه يدلّ على استحبابها عقيب النوافل جملة من الأخبار:

منها: موثَّقة الحسن بن علي بن فضَّال -في حديث - *(قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) صلَّى ستَّ ركعات أو ثمان ركعات، قال: وكان مقدار ركوعه وسجوده ثلاث تسبيحات أو أكثر، فلمّا فرغ سجد سجدةً أطال فيها، حتَّى بَلَّ عرقه الحصى؛ قال: وذَكَر بعضُ أصحابنا: أنَّه ألصقَ خدَّيْه بأرضِ المسْجد)([10] ).*

واعلم أنَّ ذيل الرِّواية، وهو قوله: *(وذكر بعض أصحابنا ...)،* مرسل، فلم يثبت بطريق معتبر، وكذا غيرها من الرِّوايات.

*_____________*

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص20، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح8، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح5، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص21، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح9، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح4، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح5، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص19، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح3، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص20، أبواب سجدتی الشکر، باب7، ح6، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص490، أبواب التعقیب، باب31، ح3، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج7، ص9، أبواب سجدتی الشکر، باب2، ح4، ط آل البيت.