الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعقيب(3)

قوله المصنِّف (رحمه الله): (وَلْيبدأ بالتكبير ثلاثاً، رافعاً بكلِّ واحدة يديه إلى أُذَنْيه، ثمَّ التهليل والدُّعاء بالمأثور).

[الشرح]: في الذِّكرى: «قال الأصحاب: يُكبِّر بعد التسليم ثلاثاً، رافعاً بها يديه -كما تقدَّم- ويضعها في كلّ مرّة إلى أن تبلغ فخذَيْه، وقال المفيد (رحمه الله): يرفعهما حِيال وجهه مستقبلاً بظاهرهما وجهه، وبباطنهما القبلة، ثمَّ يخفض يديه إلى نحو فخذيه، وهكذا ثلاثاً...»1.

المعروف بين الأعلام أنَّ أوّل التعقيب هو التكبير ثلاثاً.

وليس معنى ذلك أنَّه أفضل التعقيب، بل المشهور بينهم أنَّ أفضل التعقيب هو تسبيح الزّهراء (عليه السَّلام) الآتي -إن شاء الله تعالى-، وإنَّما التكبير مقدَّم رتبةً لا على نحو الأفضليّة، كما سيتضح لك -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا قول المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: «ويضعها في كلّ مرّة إلى أن تبلغ فخذَيْه أو قريباً منهما» ، فهو لأجل تحقُّق تعدّد الرفع ، ولأنَّ الفخذَيْن موضعهما حال الجلوس.

وكان الأَولى الوضع على الفخذَيْن، كما اقتصر عليه في التحرير تحقيقاً للفرد الأكمل من الرَّفع المسبوق بالوضع.

وقد يُستدلّ للتكبير ثلاثاً: برواية زرارة المنقولة عن فلاح السّائل لابن طاووس (رحمه الله) عن أبي جعفر (عليه السَّلام) «قال: إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً»[1] ، ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ أحمد بن عليّ الواقع في السَّند مجهول الحال.

أضف إلى ذلك: أنَّها غير موجودة في فلاح السّائل لابن طاووس (رحمه الله)، وإنَّما نقلها عنه صاحب البحار (رحمه الله)، ولعلّ النسخة التي كانت عنده مشتملة على هذه الرِّواية.

وقد يستدلّ للتكبير ثلاثاً والتهليل والدَّعاء: برواية المفضَّل بن عمر «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): لأيّ عِلّة يُكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً، يرفع بها يدَيْه؟ فقال: لأنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) لمَّا فتح مكَّةَ صلَّى بأصحابه الظُّهر عند الحَجَر الأسود، فلمَّا صلّى رفع يديه وكبَّر ثلاثاً، وقال: لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير، ثمَّ أقبل على أصحابه، فقال: لا تدعوا هذا التكبير، وهذا القول في دُبُرِ كلِّ صلاة مكتوبة، فإنَّ فَعَل ذلك بعد التسليم، وقال: هذا القول، كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام وجنده»[2] ، وهي ضعيفة أيضاً بمحمَّد بن سنان، وببعض الأشخاص المجهولين.

__________

(1) ذكرى الشيعة: ج3 ، ص449، ط: آل البيت (ع)، قم المقدّسة.

 

وقد يستدلّ للتهليل والدُّعاء بموثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) «قال: قُلْ بعد التسليم: الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كلّ شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، اللهمّ اهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»1.

ثمَّ إنَّه يُحتَمل أن يكون التكبير المذكور في صدر الدُّعاء من إحدى التكبيرات الثلاث، اكتفى به عنها، وإن كان الظّاهر أنَّ هذه التكبيرة في أوَّل الدُّعاء من نفس الدُّعاء، لا من إحدى التكبيرات الثلاث، والأمر سهل.

ويظهر من هذه الرِّوايات أنَّ التكبيرات متصلة بالتسليم، ولكن لا على نحو الشَّرطيَّة، وإنَّما على نحو التَّمام والأكمليَّة، والله العالم.

قول المصنِّف (رحمه الله): (وتسبيح الزَّهراء (عليها السَّلام) من أفضله)

[الشرح]: المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار أنَّ أفضل التعقيب تسبيح الزَّهراء (عليها السَّلام)، فإنَّ التكبير ثلاثاً وإن كان مقدَّماً عليه إلَّا أنَّه من حيث الرُّتبة فقط، أي رتبة التكبير بعد التسليم، ولكنَّ الأفضل هو التسبيح.

قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: «أفضل الأذكار كلِّها تسبيح الزهراء (عليها السَّلام)، وقد أجمع أهل العلم كافّة على استحبابه...».

ولعلّ الأفضليَّة فُهِمت من كثرة الأخبار الواردة فيه، فإنَّه لم يرد في شيء من الأذكار والأدعية الواردة في التعقيب بخصوصه مثل ما ورد في خصوص هذا التسبيح، من الأخبار الكثيرة جدّاً في فضله، والحثِّ على المواظبة عليه في دُبُرِ كلِّ صلاة، بل هو مستحبّ في نفسه وإن لم يكن تعقيباً، كما في استحبابه عند النوم.

وممَّا يشير إلى أنَّه معلوم الأفضليَّة مطلقاً عند الأعلام تأويل الشَّهيد الثاني (رحمه الله) لعبارة الشَّهيد الأوَّل في اللمعة لمَّا قال: «وأفضله التكبير ثلاثاً رافعاً بها يديه، ثمَّ التهليل بالمرسوم، ثمَّ التسبيح».

ولمَّا كان ظاهر هذه العبارة هو الترتيب في الفضيلة تأوَّلها الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الرَّوضة: «بأنَّ المراد من (ثمَّ) التعقيب من حيث الرُّتبة لا الفضيلة، قال: وإلَّا فهو أفضله مطلقاً...».

ولكنَّ عبارة المصنِّف (رحمه الله) هنا -الدُّروس- لا تدلّ على الأفضليَّة، حيث قال: «وتسبيح الزَّهراء (عليه السَّلام) من أفضله، ولم يقل: أفضله، بل لم يذكر في الذِّكرى سوى تعداده في جملة الأمور التي يعقِّب بها».

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه أفضل التعقيبات، لِكثرة الأخبار الواردة فيه والحثّ على المواظبة عليه، بل ذُكِرت له فوائد كثيرة، يأتي بعضها -إن شاء الله تعالى-.

ويظهر من بعض الأخبار أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحل هذا التسبيح لفاطمة (عليها السَّلام) وعليّ (عليه السَّلام) عند النوم، فيكون أصل تشريفه عند ذلك، وإن أصبح مستحبّاً في نفسه وعند التعقيب ونحو ذلك، ففي مرسلة الفقيه «قال: ورُوي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلام) قال لرجل من بني سعد، وذكر حديثاً يقول فيه: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له ولفاطمة : أَلَا أعلِّمكما ما هو خير لكما من الخادم، إذا أخذتما منامكما فكبِّرا أربعاً وثلاثين تكبيرةً، وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحةً، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدةً، فقالت فاطمة: رضيت عن الله وعن رسوله»[3] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومثلها رواية أبي الورد بن تمامة عن عليًّ (عليه السَّلام) ، إلَّا أنَّه قال: «إذا أخذتما مضاجعكما فسبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين»[4] ، وهي ضعيفة بعدّة من المجاهيل.

ومهما يكن، فالأخبار الواردة في فضله كثيرة جدّاً:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان «قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): من سبّح تسبيح فاطمة (عليه السَّلام) قبل أن يثني رجلَيْه من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير»[5] .

والتقييد بالفريضة ليس على نحو الاشتراط، بل على نحو الأفضليّة، وإلَّا فهو أيضاً مستحبّ بعد صلاة النافلة.

ومنها: صحيحة أُسامة الشحَّام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج، كلّهم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) «قال: تسبيح فاطمة الزَّهراء (عليه السَّلام) من الذِّكر الكثير الذي قال الله عزَّوجل ﴿{واذكروا الله ذكراً﴾ كثيراً}»[6] ، ورواها الكليني أيضاً بطريق آخر، إلًا أنَّها ضعيفة بالطَّريق الآخر بجهالة بكر بن أبي بكر.

ومنها: رواية أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) «قال: يا أبا هارون! إنَّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليه السَّلام) ، كما نأمرهم بالصّلاة، فالزمه، فإنَّه لم يلزمه عبد فشقي»[7] ، وهي ضعيفة بأبي هارون المكفوف، وبجهالة صالح بن عقبة.

ومنها: رواية محمَّد بن مسلم «قال: قال أبو جعفر (عليه السَّلام): من سبّح تسبيح فاطمة (عليه السَّلام) ، ثمَّ استغفر غُفِر له، وهي مائة باللسان، وألف في الميزان، ويطرد الشَّيطان، ويرضي الرحمان»[8] ، وهي ضعفة بجهالة جعفر بن محمَّد بن سعيد البجلي، وأبي الصُّباح بن نعيم العائذي.

__________

 


[1] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج5، ص52.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص452، أبواب التعقیب، باب14، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص446، أبواب التعقیب، باب11، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص446، أبواب التعقیب، باب11، ح3، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص439، أبواب التعقیب، باب7، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص441، أبواب التعقیب، باب8، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص441، أبواب التعقیب، باب8، ح2، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص442، أبواب التعقیب، باب8، ح3، ط آل البيت.