الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سَجْدةُ التِّلَاْوَةِ(6)

*>> رأي سماحة الأستاذ في الجمع بين الروايات.*

*والإنصاف:* أنَّ هنا تعارضاً بين الرّوايات السَّابقة وبين صحيحة عبد الرّحمان ومعتبرة غياث، والترجيح للرّوايات السّابقة لا للشّهرة الروائيَّة، لأنَّ الترجيح بالشّهرة لم يثبت عندنا، بل لمخالفتها العامّة، فإنَّ صاحب الحدائق (رحمه الله) نقل عن العلّامة (رحمه الله) في المنتهى ذهاب أكثر الجمهور إلى اشتراط الطّهارة من الحدثَيْن.

وعليه، فتحمل صحيحة عبد الرّحمان ومعتبرة غياث على التقيّة.

وأمَّا قول السَّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله): *(إنَّ الترجيح مع صحيحة الحذَّاء لموافقتها مع السنّة القطعيّة، لأنَّ الأخبار الدَّالة ولو بإطلاقها على وجوب السُّجود على الحائض كثيرة جدّاً، بحيث يقطع بصدور بعضها عن المعصوم (عليه السلام)، على سبيل التواتر الإجمالي... ).*

*ففيه أوَّلاً:* أنَّ الرّوايات الدّالة ولو بالإطلاق على وجوب السُّجود على الحائض ليست متواترةً.

*وثانياً:* لو كانت متواترةً لكان ذلك من التواتر المعنوي لا الإجمالي.

*وثالثة*ً -وهو الأهم-: لو كانت متواترةً لكان الخبر المخالِف لها -وهو صحيحة عبد الرحمان ومعتبرة غياث- غير حجّة، إذ يشترط في حجيّة الخبر -كما ذكرنا في محله- عدمُ مخالفته للسنّة القطعيّة.

*وعليه،* فلا تصل النوبة إلى التعارض، إذ يشترط في المتعارضين أن يكون كل منهما واجداً لشرائط الحجيّة، والله العالم.

*قوله: (ولا الاستقبال على الأصحّ)*

هذا القيد راجع لكلٍّ من الطَّهارة والاستقبال، أي لا يشترط في السُّجود للعزيمة الطَّهارة والاستقبال على الأصحّ، ويظهر منه الخلاف في المسألة، مع أنَّ المعروف بين الأعلام عدم الخلاف في ذلك، لا سيما بالنسبة للاستقبال.

نعم، نسب الخلاف إلى الجمهور من العامّة.

ومهما يكن، فقد قال المصنِّف (رحمه الله) في الذّكرى: *(أمَّا ستر العورة واستقبال القبلة فغير شرط، وكذا لا يشترط خلوّ البدن والثوب من النجاسة، لإطلاق الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل...).*

وفي الجواهر -تعليقاً على قول المحقِّق في الشّرائع ولا يشترط استقبال القبلة- : *(بلا خلاف أجده فيه، إلَّا ما سمعه من كتاب أحكام النِّساء، للأصل، وإطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات...)،* وكأنَّه يشير بذلك إلى ما حُكي عن الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في كتاب أحكام النِّساء أنَّه قال: *(من سمع موضع السُّجود، ولم يكن طاهراً، أومأ بالسُّجود إلى القبلة...).*

وظاهره اعتبار الطَّهارة والاستقبال، وأنّه عند التعذّر يومِئ، ولا يشرع له السّجود.

وفيه، لو صحّ إرادة هذا الظّاهر فلا دليل عليه، إلَّا ما يستشعر من رواية الحلبي المرويّة في العِلل عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: سألته عن الرَّجل يقرأ السَّجدة وهو على ظهر دابته، قال: يسجد حيث توجهتْ به، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلِّي على ناقته وهو مستقبل المدينة، يقول الله عزَّوجل: {فإيّنما تولّوا فثمّ وجه الله)(1)،* وهي ضعيفة لعدم وثاقة جعفر بن محمد بن مسرور، فالتعبير عنها بالصّحيحة في غير محلهنّ، كما أنَّ دعوى أنَّ جعفر بن محمّد بن مسرور متّحد مع جعفر بن محمّد بن قولويه صاحب كامل صاحب كامل الزيارات، في غير محله أيضاً، كما لا يخفى.

ومهما يكن، فإنَّه يستشعر من الجواب كون محطّ النّظر في السّؤال هو الاستقبال، وكون اعتباره في السّجود في الجملة عند السائل مفروغاً عنه، فنفى الإمام اعتباره حال الركوب، مستشهداً بفعل النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في الصَّلاة التي هي أوضح حالاً بالنسبة إلى هذا الشرط من خصوص السجود الذي هو أحد أجزائها.

*وفيه أوَّلاً:* -مضافا لضعفها سنداً- أنَّ هذا مجرد إشعار وليس ظهوراً والحجيَّة تابعة للظهور، كما هو معلوم .

*وثانياً:* أنَّ المقصود بالسّجود على ظهر الدَّابة هو السّجود للسّجدة المندوبة لا العزيمة، بدليل الاستشهاد بفعل النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في الصَّلاة على ناقته، فإنَّ المراد من الصَّلاة هي المندوبة لا الفريضة، إذ لا يصحّ إتيانها على الناقة حال السَّير.

*وقد يستدلّ* اعتبار الاستقبال فيه بمرسلة دعائم الإسلام عن أبي جعفر (عليه السلام) *(أنَّه قال: إذ قرأت السّجدة وأنت جالس فاسجد متوجهاً إلى القبلة، فإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجّهت، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلّي على راحلته وهو متوجّه إلى المدينة، بعد انصرافه من مكّة يعين النافلة، قال: وفي ذلك قول الله -عزَّوجل-: {فأيّنما تولّوا فثمّ وجه الله})(2).*

*وفيه أوَّلاً:* أنَّها ضعيفة بالإرسال.

*وثانياً:* ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: *(ولم أجد أحداً عمل به، بل ظاهر المنتهى وغيره أنَّ ذلك مذهب الجمهور...).*

*وعليه،* فلو كانت الرِّواية صحيحة فإنَّ إعراض الكلّ عنها يوجب وهنها .

نعم، ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ إعراض مشهور القدماء لا يوجب الوهن، بخلاف إعراض الكلّ.

ثمَّ إنَّه قد اتّضح ممّا تقدّم أنَّه لا يشترط فيه ستر العورة ولا خلوّ البدن والثوب عن النجاسة، ولا طهارة موضع الجبهة، إذ لا يوجد دليل معتدّ به على اعتبار هذه الأمور.

وحُكِي عن المصنّف (رحمه الله) في حواشيه الجزم بوجوب السّتر، وهو غريب، ولعلّه أخذه من تعليل النّهي عن السّجود للعاري في الصلاة مخافة ظهور سوأته.

وفيه: ما لا يخفى.

وهل يعتبر أيضاً وضع بقيّة المساجد ووضع الجبهة على ما يصحّ السُّجود عليه؟

قال المصنف (رحمه الله) في الذكرى: *(وفي اشتراط السُّجود على الأعضاء السَّبعة أو الاكتفاء بالجبهة نظر، من أنَّه السُّجود المعهود ومن صدقه بوضع الجبهة، وكذا في السُّجود على ما يصحّ السُّجود عليه في الصَّلاة من التعليل هناك بأنَّ النّاس عبيد ما يأكلون ويلبسون، وهو مشعر بالتعميم).*